مقالات

عتبة العنوان في صِراط الفريعي

 

يعد العنوان في الدراسات السيميائيَّة عتبة نصِّيَّة مهمَّة ومكوِّنًا من مكوِّنات العمل الأدبي، وحدَّد “جيرار جينيت” لهذه العتبة عدَّة وظائف، منها: التعيينيَّة، والإغرائيَّة، والإيحائيَّة.
ولفت انتباهي عنوان الكتاب الذي أهداني إيَّاه د.سالم عبدالرحمن الفريعي البلوي المعنون بـ”صِراطي”، ويحفل هذا العنوان بالعديد من الدلالات المحوريَّة التي تضيف إلى متن الكتاب عمقًا ورسوخًا. وقد ورد في لسان العرب أنَّ (الصِراط) هو “الطريق”، وورد أيضًا ذكر (الصِراط) في القرآن الكريم، ويؤكِّد على المعنى اللغوي “الطريق” سواء أكان حقيقة أم مجازًا.
ولم يكن هذا العنوان “صِراطي” مكتمل البناء، فهو خبر لمبتدأ محذوف تقديره “هذا”، والحذف هنا أبلغ من الذكر؛ لأنَّه جاء لغرض الإيجاز. وإضافة “صِراطي” إلى نفسه دليل على شدة الالتصاق به، وأنَّه عاش هذه التجربة بنفسه، وسار في طريقها الطويل بنفسه، ونافح عن وجه الطموحات بنفسه. ولم يحدِّد صفة لهذا الصِراط مستقيمًا كان أو غير مستقيم، وكأنَّه يعبِّر عن رحلة حالفها الخطأ والصواب. وصياغة العنوان بالجملة الاسمية “صِراطي” يوحي بمزيد من الثبات والرسوخ والدوام.
وذكر المؤلِّف في متن كتابه “أنَّ صراط كل إنسان هو دربه وطريقه… سعيه وسبيله… سيرته ومسيرته”. وهذا يتقاطع مع العنوان “صِراطي”، وما ينبثق عنه من معانٍ متعدِّدة. ويظهر أنَّه نَظَمَ خيطَ الكتاب في ضوء صِراطه الذي سار فيه، ودوَّن المعالم البارزة في حياته، والأحداث الشيَّقة التي عايشها.
ومهما أحال العنوان إلى المتن، فإنَّه يبقى العديد من الدلالات تنضوي تحته. فالمعنى القريب الذي يسعى المؤلِّف إليه، هو التعبير والإفصاح عن سيرته الذاتيَّة المحاطة بكثير من الصعوبات والعقبات والإنجازات والنجاحات. والمعنى البعيد الذي يروم تحقيقه، هو تقديم هذه السيرة الذاتيَّة الغنيَّة باعتبارها مستندًا قطعيًّا، يدعم إنجازاته ونجاحاته على كافَّة الأصعدة.
والصِراط المقصود في هذا العنوان قد يكون متعدِّد الأوجه، ولكنَّني أرى -بعد التأمُّل- أنَّه يقصد في (صِراطه) “طموحه” الذي جعله يتجاوز كلَّ الصعوبات بصبر وجلادة، وينتظم الكتابَ من أوله إلى آخره كاشفًا عن تفاصيل الكفاح والفلاح.
وكأنَّني أسمع أبا عبدالرحمن د.سالم قائلًا: “إنَّ طموحي الذي أقدِّمه بين يديكم، قد أفنيت فيه عمري وجهدي وكل ما أملك من قوَّة”.
ويتضح أنَّ العنوان “صِراطي” تعالق مع مضمون الكتاب، وأضفى عليه بُعدًا جماليًّا ودلاليًّا يتناسب معه، وكان العنوان النافذة الأولى المطلَّة على ضفاف الفريعي.

كتبَه: د. سلطان القنيدي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى