أقلام عربية

حكايتي من طأطأ لسلام

تهاني المشيخي (صحيفة صدى العرب)
كل الحكايات والأساطير تستنتج من الخيال لكن حكايتي غير، فأنا البنت التي عشت في كنف والدي لم أعرف من الحياة إلا الحب والعطف والحنان طوال فترة طفولتي وكانت حياتي جميلة وسعيدة حتى كبرت وبدأت أنظر للحياة بمنظور شابة حريصة على تطوير نفسها وعدم القعود لتبدأ المعركة.
كثيرون يعتقدون أن الانتفال من البيت إلى الميدان للعمل والكفاح سهلاً ومزروعاً بالورود لنا كمجتمع نسوي لكنه العكس من ذلك هو الصحيح، فتلك الأيام التي عشتها بدلال تغيرت كلياً على أرض الواقع رغم طموحي وشجاعتي وثقتي بنفسي، لقد تعاملت وتألمت من أناس بمختلف طباعهم المتنوعة ونظراتهم الدونية والجاهلة للمرأة وأهمية دورها في بناء المستقبل والمجتمع، كنت حريصة على أن لا أجرح أحد لكن الصدمات التي تلقيتها كانت أكبر وأقسى مما أتوقع ولم تكن في الحسبان ككاتبة وفنانة تشكيلية.
بالطبع، أنا من الشباب الحساسين وأي صغيرة أو كبيرة تجرحني كثيراً، لكن المجتمع لا يرحم ولا يفرق في ظلمه بين يتيم ومحتاج أو مكافح أو طموح أبداً، فهناك أناس يعيشون حالة من الكبت في منازلهم وتراهم يفرغونها جم غضبهم في أماكن أعمالهم ولأتفه الأسباب وعلى زملائهم، وأخرين يحاولون سرقة جهودك وتجييرها لصالحهم، وثالث يحاول وضع العراقيل أمامك وإعاقتك في النجاح حسداً وكبرياء ورابع يظهر بمظهراً جميل ويجاملك في كل كلامه لكن قلبه أسود كليل حالك تجده لدى رفاقك وزملائك يذمك، اما المتنمرين والفارغين الباحثين عن التسلية فحدث ولا عجب.
يفكر البعض أن من يتعامل بعفوية من السهولة النيل منه، متناسياً أن النساء لا يختلفن عن الرجال في كل المهارات، متسلحين بالعلم والصلابة والشجاعة والإقدام والثقة بالنفس الأخلاق العالية والقيم التي تربت عليها داخل الأسرة المسلمة والملتزمة بدينها وتقاليد مجتمعها.
وهنا لا ينبغي أن أنسى الخيرين الذين يتعاملون مع الشابة كبنته ويعمل على دعمها وتقديم النصيحة لها وإرشادها وتحذيرها، ومساعدتها في شق طريقها من بعض الذي يعانون من مرض نفسي متجذر، أن هؤلاء الخيرين بعضهم غادر مجتمعنا فأبكانا رحيله وأخرين لا يزالون يكافحون ولا نملك إلا الشكر والعرفان لأخلاقهم النبيلة أكانوا داخل المملكة أو في أي بلد أخر.
لم تكن تجربتي طبيعية فهناك من حاول سرقة ألواحي التشكيلية وهناك من سعى للالتفاف علي وممارسة ظلم في عملية المتاجرة في حين تنمر الكثير لكنهم لم يستطيعون وها أنا مستمرة في شق طريقي بلا خوف وواثقة أني سأنتصر ومثلي الكثير من الشابات المبدعات في مختلف الحقول والإدارات والمهن والتخصصات الذين يتفانين في سبيل خدمة مجتمعهم والرقي به.
نحن المجتمع النسائي ننظر للمستقبل بتفاؤل وتفاني خصوصاً في ظل الحرص الكبير على تمكين المرأة ودعمها ونعمل وفق الرؤية 2030 التي وضعتها القيادة لتحقيق مصالح الشعب السعودي وتقديم خدمات راقية للمجتمع وكسر الجمود والانتصار على كل النظرات الدونية التي تحاول التقليل من جهودنا فلم يعد اليوم الصمت سلاح بل أن السلاح الوحيد هو العمل والكفاح جنباً إلى جنب مع الرجل في الميدان والبيت وفي المحافل المحلية والدولية.
فنحن بنات حواء نتملك من الإرادة ما قد لا يمتلكها الرجل وبالتالي فإننا كمجتمع نسائي مثلما لدينا حقوق علينا التزامات كبيرة وشديدة يجب التمسك بها وأن لا نترك ثغرة للمتسللين وأصحاب الأمراض النفسية ونتصدى للكل الغرائز والأفكار الهدامة التي تغزوا مجتمعنا عبر بعض المنسلخين والموبوئين أخلاقياً ونفضحهم ونعريهم كي تنتصر إرادتنا ونعزز مكانتنا المجتمعية التي وصلت إلى القمة في المرحلة الحالية في ظل القيادة الرشيدة.
المرأة هي صنوان الرجل ومصدر قوته وعزته وشموخه ولا تنهض أمم دون مشاركة فاعلة لنسائها وهنا نستحضر شجاعة وقوة الصحابية الجليلة نسيبة بنت كعب التي وقفت إلى جانب الرجال في الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد بالإضافة إلى خولة بنت الأزور المحاربة الملثمة الذي قهرت الروم وقادة النساء بخطة محكمة ودون أسلحة إلا العصيان وأدوات مخيمهم ونجحت معهن بالخروج وقتل 30 رومياً قبل أن يصل الصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه، وبحسب الكتب التاريخية فإن خولة كانت وهي تقود المعركة وتردد نشيد يقوي شجاعة زميلاتها :”(نحن بنات تبع وحمير، وضربنا في القوم ليس ينكر، لأننا في الحرب نار تسعر، اليوم تسقون العذاب الأكبر).
في الأخير ستنتصر خولة ونسيبة وتهاني وزميلاتها في عهدنا الحاضر وتنتصر معها إرادتهن وسينهض مجتمعنا، فتجاربنا الحالية زادتنا قوة وشدة وعزيمة وجعلتنا نؤمن بالمثل الذي يقول :”عيش كثير تشوف كثير” وهذه حكايتي من طأطأ إلى السلام عليكم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى