أقلام عربية

الشاعرة وردة أيوب عزيزي تجعل القصيدة آلة للزّمن تنقلنا بها إلى زمن النّاسكات المتبتلات في العشق الإلهي.

قراءة انطباعية في نصوص الشاعرة الجزائرية وردة أيوب عزيزي= بقلم الدكتورة "كوكب البدري"

 

 

منذ أول قصيدة صدحت بها الخنساءُ، والشّعرية العربية في حالة مرتبكة بين الرّفض والقبول للمرأة الشّاعرة التي تصوغ القوافي وتصبّها في أواني الحب وترفعها في رايات الفخر وتطرزها في مناديل الرحيل وتذرفها دمعا في بكائيات الرّثاء.
ولربما حاول التّاريخ أن يبرىء ساحته من ضياع شعر أغلب الشاعرات العربيات على مر عصوره بحجة أن المرأةقصيرة النفس الشعري ولاتكتب غير المقطعات وهذه حجة واهية دحضتها أجيال من الشاعرات في القرنين العشرين والواحد والعشرين وتركن بصمة لايمكن لأكبر المنادين بذبح الدجاجة إذا صاحت صيحة الديك أن يمسحوا إثر تلك البصمة التي طبعت بالسهر والجهد والدموع. ووردة أيوب عزيزي من بين ثلة من شاعرات الجزائر اللاتي يحفرن طريق الشعر بأنامل من عفاف وتقى وعروبة وإيمان بقضايا الوطن والأمة ويحرقن ليالي الخواء الرّوحي بقصائد اتخذت من نهج التّصوف سبيلا للفضيلة والسمو والارتقاء وأن الأنوثة فصول من إباء وقيم ووفاء. فهي أنثى غارقة برسم ملامح الصبر على وجه أيامها علّ هذا الصّبر يصير دواءً لجراح طال نزفها فتخاطب القارئ في أول قصائد الدّيوان والتي تحمل عنوان (أنثى الصبر) قائلة:
من ألف صبرٍ وأنثى الصّبر حائرة
فليشهد القلب والدمعات والمقل

فأيّ جرح غائر هذا الذي ضمدته شاعرتنا بقصيدة، وخلدته بدمعة قمر.
لكنها ورغم هذه الجراح؛ تظل أبيّة، تتوضأ بالنّور والكبرياء، وبعزّة العروبة، وبالخيلاء، وبماء الحياء في حرفها الذي يعكس طهرا صوفيا تبثه حولها كأريج الياسمين، فتقول في قصيدة متوضئ بالنّور:

خذني إليك فإنني متزمل
بتعففي وفضيلتي وحجابي
وقد أجادت أيما إجادة باستخدام مفردة (متزمل)، فلم تكن مفردة ناتئة عن جسد القصيدة، بل أظهرت وفاء الشاعرة وتغلغلها في تراثها الحضاري الذي أنتج الأدب الصّوفي بشقيه النّثري والشعري، فنجد شاعرتنا قد اتخذت من التّصوف خيط مسبحة تضم به قصائدها وأبياتها في بوتقة من زهد وعفاف في الحب والوصال؛ ففي قصيدة شفق :

مازال قلبي في هواك متيما
والقرب أضرمت القساوة ناره
وأخيط من نبل الوعود تعففي
وأطيل صمتي، أستمد وقاره

وهي بهذا النّسيج تؤكد أن الإبداع لايحتاج القفز على المحظورات أو إباحة أسرار الجسد التي تلجأ لها الكثير من (المتشاعرات) كي يلفتن الانتباه. فنجدها في قصيدة صوفية في محراب العشق تقول:
ولقد نسجت من القصيد عباءة
خيطانها للنّاظرين حريرُ

إنّها تجعل القصيدة آلة للزّمن تنقلنا بها إلى زمن النّاسكات المتبتلات في العشق الإلهي. لتكتمل مسبحة التّصوف هذه بقصيدة نبوية، متمسكة ببردته صلى الله عليه وسلم وكأن من هذه البردة ينبثق الأمان الذي يرومه السّاعين لوصاله عليه الصلاة والسلام، فتقول:

غزلت من الضّوء عطر شذاكا
ومن بردة الصّدق برّ هواكا
ورحت أصوغ حروفي عقدا
لعلّي بكل الحروف أراكا

وتبقى مطمئنة بهذا الإيمان الكبير حتى في أحلك ساعات الشوق للمحبوب فتقول في قصيدة
(قطرات من عطر ومطر)
أنا وردة جورية عربية
لم أخش باسم الله من عذّالي
فلقد قرأتُ لكي أحصن خافقي
من سورة الإخلاص والأنفالِ
فتحصين المسلم يبدأ بسورة الإخلاص ويمتد مع كل سورة وآية وحرف ربّاني من حروف القرآن الكريم الذي حمل عهده المسلمون حتى وصلوا المغرب العربي؛ فنجد مسبحة ديوانها الصوفي تصل لتشهد لعقبة بالبطولة فتبدأ ملحمتها (وردة في محراب عقبة) :
سجد القصيد على السطور مرددا
الله أكبر سجدة وتهجدا
هو عقبة الفهري صلى واهتدى
وبسنّة الهادي الأمين استرشدا.
إنّه محراب قصائدها ومنبرها الذي اتخذته لتصدح به بكل هواجس المرأة العربية التي جسدتها في ديوانها تجسيدا متميزا لشاعرة متميزة أتمنى لها كل التّوفيق في مشروعها الأدبي.

الدكتورة . كوكب البدري/ العراق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى