أقلام عربية

رنين

 

محمد الرياني

بالنسبةِ له فهو واثقٌ بأنه عالَمٌ مختلفٌ يعيشُ فوقَ جغرافيةِ هذا العالم، عندما قالتْ له أَتشكِّكُ في قدراتكَ؟ كان يختبئُ خلفَ إجابةٍ كلها ثقة وليستْ ضربًا من الكبر ، ظلَّتْ تُنصتُ إليه وكأنَّه على جغرافيةِ عالَمٍ آخر لايمتُّ إلى الأرضِ بصلة، أجابتْ عليه بهدوءٍ ورزانة ، قالت : ضعْ قدميكَ على الأرض ؛ فالحروفُ التي نراها كالأغصانِ لاتنبتُ في غيرِ أرضنا، ومن المستحيلِ أن تجدَ أرضًا تزرعُ حروفًا في غيرِ عالَمنا الذي تترفَّعُ عنه لتسكنَ في عالَمٍ هلامي، تراجعَ وهي تمطرُه بهدوئها ، كانت رزينةً وهادئةً وهي ترفعُ عنده درجاتِ التوترِ والخنوعِ في آنٍ معًا، قال لها يا…. لقد قسوتِ عليَّ بدرجةٍ لا أحتملُها وكأنَّ براكينَ الأرضِ كلَّها قد ثارتْ حممًا من وحيِ عتبكِ الرقيق، أشعرُ أن عالَمي يحترقُ وبدأ في الانصهار ، ردَّتْ عليه بأنْ يطمئنَّ وسيكونُ بمقدوره الهبوطُ بسلامٍ للعيشِ مرةً أخرى مع الآدميين الذين استوطنوا الأرضَ ويلتقطون حروفَ لغتِها من الطرقاتِ ومن الحواري ومن أفواهِ العجائزِ والأطفال ، وأكملَ عنها وسيكون بمقدوري أيضًا التقاطُ المعاني من هنا وهناك ومن الفصولِ الأربعةِ في هذا العالمِ الجميل ، فتحَ عينيه وترجَّلَ عن بساطِ الريحِ الذي سافرَ به في لحظةٍ ليبتعدَ فيها عن العالَمِ بإغفاءةٍ غريبة، حرَّكَ رأسَه بعنفٍ واستدارَ ليرى الدائرةَ حوله ، كان كوكبُ الأرضِ كما هو لم يتغير، غربتِ الشمسُ وظهرَ نجمٌ جميلٌ قريبٌ من الأرضِ يتلألأ، اسودتِ السماءُ بجمالٍ فاتن، لم يجد تلك التي طلبتْ منه أن يتواضعَ ويضعَ قدميْه على الأرضِ ليكونَ إنسانًا مع البقية ، حدَّثَ نفسَه ؛ هل كنتُ سأصعدُ لأسكنَ عالَمًا آخر وقد لعبتُ على التراب، وكتبتُ بقصبِ الذُّرةِ حروفًا ولا أزالُ غصنًا صغيرًا أُشبهُ الأغصان حولي، تنهَّدَ وهو يرى العالَمَ جَنَّةَ المتواضعين، سمعَ رنينًا يشبهُ صوتَ التي زارتْه في الغيبوبة، قالت له : أيُّ عالَمٍ هذا الذي ستسكنه، الأرضُ هي عاصمتُنا جميعًا، شمِّرْ عن ساقيكَ وسترى كلَّ الفصولِ في أقصرِ رحلةٍ تنوي القيام بها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى