الشعر والأدب

مدرستنا العظيمة

 

تهاني المشيخي

تعتبر الأم هي القائدة الأولى للأسرة نظراً لما تتحمله من عبئ كبير في تربية أبنائها وتعليمهم والسهر عليهم، فأي وطفل يفقد والدته في الأيام الأولى من والدته يعيش أشبه بالضائع.

إن تأثير الأم على أبنائها أعمق من تأثير الأب خصوصاً في فترة الطفولة المبكرة نظراً لطبيعة العلاقة التي تربط الطفل بوالدته والذي يظل إلى جوارها وفي كنفها يتغذى على عصارة جسدها من الحليب وينهل منها الأخلاق والقيم النبيلة بل وهي من تضع له الخطوط الأولى للمستقبل وتظل تسهر عليه طوال فترة شبابه وطيشه ولم يقتصر على ذلك بل أن الام تظل تتابع ولدها حتى وأن اصبح له مكانة وأبناء ومنزل فتغضب لغضبه وتبكي لبكائه وتحزن لحزنه.

إن هذه العظيمة التي كرمها الله بالجنة وجعلها تحت أقدامها ورفع مكانتها في المجتمع تعتبر صاحبة الدور الأعمق في بناء جيل المستقبل فهي الحنان والحب والجمال والرقة والشدة والأمل لأبنائها بجنسيه الرجال والنساء وهي المزارعة والعاملة والمسؤولة والقائدة التي لا يستطيع أحداً أن ينافسها في مهامها وأدورها الرائدة في صناعة قرارات الأسرة والمجتمع بأكمله ومستقبلهما، فحين نتأمل الأدوار الهامة للأمهات منذ أن عرفت الأرض أبوينا أدم وحواء وإلى اليوم نجد أنها السباقة في العمل والبناء، ففي الأرياف تجدها تصنع الطعام وتزرع الأرض وترعى الأغنام وتوفر مالاً وفيراً من اشغال مهمة بدائية إلى جانب رعايتها لأطفالها ومتابعتهم والسهر عليهم وتحمل الأعباء والمسؤوليات الزوجية، أمام المدينة فنجدها في المنزل والمصنع والمستشفى والمدرسة ناجحة في عملها حنونة مع زبائنها والزائرين إنسانة حين يستدعي تدخلها الإنساني فهي من تسبق الرجال في أي مهمة وهنا لا أقلل من قيمة الرجل بل أن الرجل هو أصلاً صناعة أمه لا غيرها، أما الزوجة فهي تأتي وكل شيء جاهز لتحصل على الرعاية من الزوج.

“أمك ثم أمك ثم أمك” ثلاثاً قالها الرسول صلى الله عليه وسلم وأوصى بها لأمته فهذا ليس من فراغ وإنما لمكانتها عند الله سبحانه وتعالى فهي من تحملك 9 أشهر وترعاه 18عاماً حتى تصير شاباً يافعاً ولم يتوقف هذا بل تظل إلى جواره تحفه بدعواتها وترشده في خطواته ومراحل حياته.

حين تفقد الصديق والقريب تجد أمك تمسح بيديها على جبينك وتقف إلى جوارك وتدعمك وتواسيك وتسقي الأرض حباً لك من دموعها، فهي العاطفة في زمن غابت فيها كل العواطف وهي الحنان والجمال، فالأمهات أكثر إشفاقاً، وأوفر حباً لأولادها.

ولذا من الطبيعي أن تكون الأُم هي المعلم الأول والأخير لأبنائها، وهي المدرسة التي مدحها الشاعر حين قال :” الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ، الأُمُّ رَوضٌ إِن تَعَهَّدَهُ الحَيا بِالرِيِّ أَورَقَ أَيَّما إيراقِ، الأُمُّ أُستاذُ الأَساتِذَةِ الأُلى شَغَلَت مَآثِرُهُم مَدى الآفاقِ”.

لذا فإنني ومن هذا الصرح الصحفي أتطلع إلى إيلاء الأمهات كل الرعاية والابتعاد عن كل ما يغضبهن وتخفيف ساعات العمل عنهن ومنحهن كل الرعاية حين يحتجن لها وعدم الاستماع لأعداء الأمهات من الزوجات الذين يحاولن أن يسلبنهن حقوقهن ويزرعن الفتن بينهن وبين أولادهن ويحرمنهن من الاهتمام حين يطحنهن الدهر بكلكله.

لن نستطيع الإيفاء للوالدين ولو حملناهم على ظهورنا طوال أعمارنا وفي رحلنا وترحالنا، فكل ما ستقدمه أيه الطفل لأمك حين تكبر لن يفي ليلة من ليالي الحمل وتعبها وألمها.. ربنا لا يحرمكم الفوز بطاعة الوالدين.

 

 

تهاني المشيخي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى