أقلام عربية

⛔️عصر الشذوذ !!⛔️

 

محمد البلادي

◾️ من القصص الرمزية ذات المعنى العميق، أن تاجراً مُسنًّا كان عائداً إلى مدينته عبر الصحراء، فصادف شابًّا تقطَّعت به السبل، فأطعمه وأسقاه، ثم صحبه على راحلته، وما أن بلغا مشارف مدينتهما، حتى غدر به الشاب وأوقعه من فوق الدابة، ثم أخذ ما معه من أموال، وفر هارباً. وقف التاجر على قدميه بصعوبة، ونادى الشاب قائلاً: يا بني، أرجو أن لا تخبر الناس بما فعلت!! فتوقَّف الشاب متعجباً وقال مزهواً بفعله: أتخشى أن يصموك بالضعف والحمق؟! قال التاجر: لا والله، ولكن حتى لا تضيع المروءة بين الناس!.

◾️ لا أحد يستطيع الجزم بصحة قصة تراثية.. ولكن ما أستطيع تأكيده والجزم به هو: حرص الأجيال السابقة على وأد كل ما هو شاذ ومخالف للفطرة والخلق القويم، والاجتهاد في عدم شيوعه بين الناس.. على عكس ما يحدث في عالمنا اليوم، الذي لا أظنني أُبالغ إن قلت إنه أشد عصور التاريخ ميلاً للشذوذ وانتكاس الفطرة.. فالشذوذ بات يسير نحو (التطبيع) الكامل مع كل شيء في حياتنا.. شذوذ فكري، أخلاقي، ثقافي، فني، جنسي، شذوذ في كل الاتجاهات صار يُقدم بكل جرأة – حتى لا أقول وقاحة – على أطباق الجديد والمثير، حتى أصبح ما ليس شاذاً ومخالفاً لا يلتفت إليه، بل يوصم بالتقليدية المملة التي يجب القفز عليها نحو الغريب واللافت، بغض النظر عن صحته!.

◾️ أخطر ما في فلسفة الاستهلاك المنفلتة، والتي تكاد تغرق العالم اليوم، هو أنها تُحجّم وتُسفّه كل ما هو قيمي وأخلاقي، وتطلق بالمقابل الغرائز والشهوات من كل عُقلِها، الأمر الذي يدفعنا للتساؤل: إلى أين يتجه المجتمع الإنساني؟! وما الذي يمكن أن تكون عليه صورة المجتمعات البشرية مستقبلاً إذا استمرت في مصادمة الفطرة وكسر القوانين الطبيعية للكون، وتمادت في إباحة الممنوع وتحطيم كل ما بناه السابقون من أنبياء ومصلحون وفلاسفة؟!.

◾️ ‏لا عجب في ظل ضغط غرائزي ومادي كهذا أن يتوارى العقل، وأن تتبدل كل قواعد اللعبة، وأن يصبح النجاح في نظر الأغلبية لا يعني التميز، بل الاختلاف والشهرة فقط.. الكمّ والكمّ فقط وبأي طريقة كانت، وأن تصبح القاعدة الأساسية هي أن تُجيد اللعب على عواطف وغرائز وحاجات الناس كي تحظى بمتابعتهم، ومن ثم أموالهم!.

◾️ اللهاث المتعاظم خلف الشاذ والغريب؛ يضاعف ‏العبء على كل أصحاب الفطرة السليمة من مثقفين وإعلاميين وفنانين وتربويين بضرورة التصدي لهذا الانحدار المستمر.. وقبل ذلك يأتي دورنا كآباء وأمهات في تحصين الأبناء وتعزيز فطرتهم السليمة، وزيادة وعيهم ضد كرة الشذوذ الثلجية التي تزداد تضخماً كل يوم، بإباحة المزيد من الممنوعات، والتمادي في مصادمة القوانين الطبيعية للكون بحجة كسر التابو!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى