الأخبار المحلية

كاتب سودانى يمتدح جهود سفير خادم الحرمين الشريفين بالسودان..

 

 

 

بقلم : الباقر عبد القيوم

القضايا الأساسية تأتي في جوهر المضامين و ليس في الإطار الخارجي ، فإن المتشابهات في أي شيء قد تخلق شيئاً من اللبس في الفهم في معظم الثقافات و خصوصاً عند المتربصين الذين يتصيدون المواقف للرجال و نجدهم دائماً يتحسسون بعض مواضع الخلل التي تتشكل عندها بؤر للخلاف و التخالف ، ليصنعوا منها قضية مضادة و هذا ما أثبتته التجارب الإنسانية خلال الحقب التاريخية ، و ياتي هذا الأمر و بلادنا تعيش أسوأ حالتها و التي ستقودها حتماً إلى التلاشي ، فالسامع ليس كالرائي الذي وثق للتأريخ بأم عينه ، و لهذا تتباين المواقف و خصوصاً عند النخب الذين كنا نظن الخير فيهم ، و لا أريد أن اتحدث عن العوام نسبة لغيابهم التام عن كل المشاهد المؤثرة ، فيأتي تقييم المواقف عند النخب على حسب المكان الذي يقفون عنده من القضايا المحددة و يحرك ذلك المكاسب الشخصية ، و كذلك حسب حالة المزاج العام ، و سخونة الأوضاع ، فهذا ما يميز تجربة عن تجربة و حديث عن حديث و فهم عن فهم ، و خصوصاً أن التأريخ يقف شاهداً دقيقاً و أميناً على كل الأحداث و المواقف الحياتية لكونه يمد أضابيره يوماً بعد يوم و ساعةً بعد ساعة بالإرث الإنساني من قصص الإنسانية الواقعية بدون تزييف ، و قد لا تختلف هذه القصص عن قصة الرجل الذي أردنا الحديث عنه بما رأينا فيه ، و لهذا نشهد له بما علمنا عنه ، فثمانيه من السنين التى قضاها في بلادنا و بلاده الثانية ظلت حاضرة و حافلة بمواقف قد تكون أشبه بقصص السيرة المقدسة التي حفظناها عن ظهر قلب في قصص القرآن الكريم و التي وصفها الله تعالى بعبارة “الأحسن” و ضرب لنا بها الأمثال من أجل تقريب الفهم ، إذ قال في محكمة تنزيله : (نحن نقص عليك أحسن القصص) ، فكذلك التاريخ هو الفيصل بين للذين لهم رؤية مخالفة عما يعتقد فيه البعض الآخر ، و هو الذي يحفظ للناس الأحداث الواقعية بدقة متناهية وإن مضى عليها حيناً من الدهر .

عند إستدعاء السيرة الذاتية لشخص سعادة علي بن حسن جعفر سفير خادم الحرمين في فترة عمله بالسودان و التي تذخر بنفائس المواقف تحضر إلينا أضابير من القيم النبيلة تنوء الجمال عن حملها ، فتشكل عظمة سيرة هذا الرجل لوحة شرف بازخة و عالية الروعة من السرد النوعي و الكمي لذات هذه الشخصية المتفردة التي ملأت فضاءات السودان تواصلاً ضجت به الحياة في حدود بلادنا الشاسعة و الممتدة ، فهذا الرجل يتميز بنبيل القيم و عوالي الأخلاق و فن الارتقاء بالروح و حسن الأنتماء الإنساني و الفهم الراقي و الواعي لمعاني الدبلوماسية بشقيها الرسمي أو الشعبي على المستوى الإجتماعي ، فوجدناه عابداً مخلصاً لربه ، صواماً قواماً في غير الفرائض ، وسطياً ، يحب الخير للناس و يحبه الناس ، معتزاً بوجوده في بلده الثاني يقدم نفسه في مساحات التعارف بأنه سعوداني بكل صدق و فخر ، فهو بلا منازع صاحب ضمير حي يتحرك به بين الناس في زمان بات فيه موت الضمير يشكل حياة للكثيرين من الناس ، فمن المؤكد أن الضمير هو المحرك الأساسي الذي يرشد الإنسان إلى الخير و يحفظ المسافات بين الناس و هو عبارة عن شمعة تحترق لتنير لصاحبها الدرب ، فربما يتالم الإنسان قليلاً من حرارتها ولكنها هي ذلك الضوء الهادي الذي يرشد إلى الطريق الصحيح .

التهديد دائما هو لغة الشخص الضعيف ولا يصدر من الأقوياء أصحاب الهمم ، و أما التحذير أو الإغراء هو إسلوب نبيل يصدر من الكبار لحث المخاطب على فعل شيء ما (محمود) للالتزام به أو التنبيه إلى أمرٍ (مكروه) لاجتنابه و الإبتعاد منه ، هنالك الكثير من الناس يؤيدون الإتفاق الإطاري و هنالك من يخالفهم الرأي ، و هنا نجد أن وسطاء الخير يجتهدون في لم الصف و رتق الفتق و تقريب المسافات و المساحات بين الفرقاء .

و لهذا يجتهد الوسطاء في جمع الصف محذرين الجميع بمآلات ما سيأتي إذا لم تجتمع الكلمة و خصوصاً أنهم يعلمون ببواطن الأمور التي تكون غائبة عن الكثيرين ، و ها أنا أحذر كذلك الجميع بسرعة اللحاق بقطار الوحدة و الا سيكون الشتات مصير محتوم لكل من حمل الهوية السودانية و تشهد بذلك قاهرة المعز التى توافد إليها ما يفوق ال 6 مليون سوداني هرباً من نتائج حالة التوهان السياسي التي تشهده بلادنا .

لا أريد التحدث عن عمق العلاقات السودانية السعودية فهي تصف نفسها بنفسها متانة و قوة و منعة ، و لكن من الضروري أن يعلم الناس أن أمن و إستقرار السودان هو جزء لا يتجزأ من أمن و إستقرار دول الجوار كلها و المملكة العربية السعودية منها . فامن و إستقرار البحر الاحمر إمتداد طبيعي لأمن المملكة ، و أن أي إنزلاق في السودان سيكون بمثابة شبح يهدد أمن كل المنطقة إذا لم يتم رتق فتقه في الوقت المناسب .

لم يخرج سفير خادم الحرمين الشريفين عن هذا الصياغ ، و كما لم يتدخل في أي أمر داخلي يخص الشأن السوداني الداخلي ، فالشيء الذي أدخل كثير من الأغراب في هذه القضية فمن الأولى أن يكون لأهل الجوار كلمة و لأحباء السودان رأي يستطيعون من خلاله حلحلة بعض العوالق من الأمور ، فلا أجد غرابة في سعي المملكة العربية السعودية عبر سفيرها لجمع الصف السوداني ، و هذه محمدة يشكرون عليها شكراً يليق بمقامهم و جليل أفعالهم كوسطاء خير في هذا الشأن ، و يجب ألا يذمهم أحد كما حاول بعض المخالفين تشويه هذه الصورة الجميلة بجمع بعض الشباب و هم قلة ، رفعوا لافتات تحمل إسم شباب السودان أرادوا من خلال هذا السلوك توصيل رسائل سالبة في بريد سفارة خادم الحرمين الشريفين ، فقد إستوقفت بعضهم و سألتهم عن ماهية هذه الجمهرة ؟ فو الله أدهشتني الردود غير المسؤولة فعلمت أن معظمهم عبارة عن كمبارس مغرر بهم ، يفعلون ما لا يعيون ، و لا يؤمنون به ، فأيقنت أنهم ليس بمعتدين كما حاول البعض وصفهم ، و انما هم ضحايا لجهات لها أجندة واضحة تحركها بعض المصالح كلما إقتربت العملية السياسية من التوصل إلى حلول و نهايات مرضية ، و لذلك يجب ألا نركز مع سلوك هؤلاء الشباب كثيراً لأنهم ضعفاء و يستحقون منا التعاطف و يتوجب علينا إعادة تأهيلهم بدل إنزال العقوبات الرادعة عليهم ، و توجيه صوت لوم لكبار الكباتن الذين يقودون هذه العملية القبيحة التي لا تشبه المملكة و سفيرها .. و أختم قولي بأن السيد علي بن حسن جعفر رجل إستثنائي و يعتبر ثروة قومية عربية يجب الحفاظ عليها ، و كما ان إستدعاء قصة سرد ذاته تطول على مساحات الامكنة المخصصة لمثل هذه المقالات .. و تروى مثل قصة هذا الرجل لا لكي ينام بها الاطفال ، بل ليستيقظ بدويها الرجال .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى