مقالات

“أوليات عُمرية”

 

الكاتب / أ.د.عبدالعزيز بن إبراهيم بن سليمان العُمري

للخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه أعمال لم يسبق لها من قبل في تاريخ الإسلام،وظلت سائرة من بعده،واستفادت الأمة من سننه تلك،وقد بدأ كثير من المؤرخين بإيجازها عند ترجمتهم لعمر رضي الله عنه، ومنها،تأسيس الديوان:وهي كلمة أصلها فارسي،قيل إن كسرى اطلع ذات يوم على كُتاب ديوانه فرآهم يحسبون مع أنفسهم فقال:(ديوانه) أي جن،ثم قيل:(ديوان)،وقد أسسه عمر رضي الله عنه لما رأى كثرة الأموال التي ترد عليه واستمرارها،وضرورة تنظيمها؛لكونها أموالاً عامة، فعمل الديوان الذي نظم الدخل والمصروفات بما يشبه الميزانيات المعاصرة.
وذُكر أنه((قُدِمَ عَلَى عُمَرَ رضي الله عنه بِأَخْمَاسِ فَارِسٍ قَالَ: وَاللَّهِ لايَجِنُّهَا سَقْفٌ دُونَ السَّمَاءِ حَتَّى أُقَسِّمَهَا بَيْنَ النَّاسِ.قَالَ:فَأَمَرَ بِهَا فَوُضِعَتْ بَيْنَ صَفَّيِّ الْمَسْجِد وأمَرَ عبدالرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَعبداللَّهِ بْنَ أَرْقَمَ رضي الله عنهما فَبَاتَا عَلَيْهَا،ثُمَّ غَدَا عُمَرُ رضي الله عنه بِالنَّاسِ عَلَيْهِ فَأمر بالجلابيب فَكُشِفَتْ عَنْهَا فَنَظَرَ عُمَرُ رضي الله عنه إِلَى شَيْء لم تَرَ عَيناهُ مِثْلَهُ مِنَ الْجَوْهَرِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَبَكَى؛فَقَالَ لَهُ عبدالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنه:هَذَا مِنْ مَوَاقِفِ الشُّكْرِ،فَمَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ:أَجَلْ؛وَلَكِنَّ اللَّهَ لَمْ يُعْطِ قَوْمًا هَذَا إِلا أَلْقَى بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَة والبغضاء،ثمَّ قَالَ: أنحشو لَهُمْ أَوْ نَكِيلُ لَهُمْ بِالصَّاعِ؟قَالَ:ثُمَّ أَجْمَعَ رَأْيَهُ عَلَى أَن يحشو لَهُم فحشا لَهُمْ، قَالَ:وَهَذَا قَبْلَ أَنْ يدون الدَّوَاوِين)).
وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه السنة ثلاثمائة وستون يومًا،وإن حق الله سبحانه وتعالى على عمر رضي الله عنه أن يكسح بيت المال في كل سنة يومًا؛عذرًا إلى الله أني لم أدع فيه شيئًا.
كما َقالَ عمر رضي الله عنه: ((لقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لا أَدَعَ فِيهَا صَفْرَاءَ ولا بَيْضَاءَ إلا قَسَمْتُهُ. فقيل له:إنَّ صَاحِبَيْكَ لَمْ يَفْعَلا، قالَ:هُما المَرْءَانِ أَقْتَدِي بهِمَا)).
وقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: ((لَوْلاَ آخِرُ المُسْلِمِينَ مَا فَتَحْتُ قَرْيَةً إِلا قَسَمْتُهَا بَيْنَ أَهْلِهَا،كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ ﷺ خَيْبَرَ)).
واختلفوا في الذي أشار على عمر رضي الله عنه بتدوين الدواوين فقيل:خالد بن الوليد رضي الله عنه،وقيل:الوليد بن هشام،وقيل:الهرمزان.
ومن المؤكد أن الهرمزان له خبرة ودراية في الإدارة الفارسية،استفاد منها عمر رضي الله عنه في قراراته، وإن كان ابتدأ الرأي لغير الهرمزان.
وأمر عمر رضي الله عنه ثلاثة من كُتَّاب قريش وهم عقيل بن أبي طالب ومخرمة بن نوفل وجبير بن مطعم j فكتبوا ديوان العساكر الإسلامية على ترتيب الأنساب،مبتدئًا من قرابة الرسول ﷺ وما بعد،فالأقرب فالأقرب.
كما أرخ التاريخ من الهجرة الَّذِي بأيدي الناس إِلَى اليوم. وقد ذكر ابن شبّه في تاريخ المدينة قصة اتخاذ عمر رضي الله عنه للتأريخ الهجري، بعنوان:”مبدأ التأريخ الهجري” وكان في ذلك تبعًا لرأي علي رضي الله عنه.وهو توفيق من الله لعمر رضي الله عنه وتجسيد لإيديولجية خاصة بالدولة الإسلامية،سارت عليها الأمة بعد ذلك.
وعمر رضي الله عنه أوَّلُ من سُمِّيَ بأمير المؤمنين.
قَالَ عُمَر رضي الله عنه لما ولي:((كَانَ أَبُو بَكْر رضي الله عنه يقال لَهُ خليفة رَسُول اللَّهِ ﷺ، فكيف يقال لي خليفة خليفة رَسُول اللَّهِ؟يطول هَذَا! قَالَ:فَقَالَ لَهُ الْمُغِيرَة بْن شُعْبَة: أنت أميرنا،ونحن المؤمنون. فأنت أمير المؤمنين.قال:فذاك إذن)).
وعُمَر بْن عبدالعَزِيزِ رضي الله عنه سأل وأجاب:((لأي شيء كَانَ أَبُو بَكْر رضي الله عنه يكتب:من خليفة رَسُول اللَّهِ؟وَكَانَ عُمَر رضي الله عنه يكتب:من خليفة أَبِي بَكْر؟ ومن أول من كتب عبداللَّهِ أمير المؤمنين؟)).
وقيل إن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أول من سمى عمر أمير المؤمنين رضي الله عنه،سمعها من الأقرع بن حابس رضي الله عنه يقول:((استأذنوا على أمير المؤمنين رضي الله عنه،فدخل المغيرة عليه ساعته فقال:السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال: ما هذا؟ فلتخرجن مما قلت قال:ألست أميرنا؟قال:بلى قال:أفلسنا بمؤمنين؟قال:بلى قال:فأنت أميرنا))،وقيل:((إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إِلَى عامل العراق أن ابعث إليَّ برجلين جلدين نبيلين،أسألهما عَنِ العراق وأهله.فبعث إِلَيْهِ عامل العراق لبيد بْن رَبِيعَة العامري رضي الله عنه، وعدي بْن حَاتِم الطائي رضي الله عنه.فلما قدما المدينة أناخا راحلتيهما بفناء المسجد،ثُمَّ دخلا المسجد،فإذا هما بعمرو بْن الْعَاص رضي الله عنه،فقالا لَهُ: استأذن لنا على أمير المؤمنين يَا عَمْرو؟فَقَالَ عَمْرو:أنتما والله أصبتما باسمه،نحن المؤمنون وَهُوَ أميرنا.فوثب عَمْرو رضي الله عنه،فدخل على عُمَر رضي الله عنه،فَقَالَ:السلام عليك يَا أمير المؤمنين.فقال عُمَر:مَا بدا لك فِي هَذَا الاسم؟يعلم الله لتخرجن مما قلت أو لأفعلن. قال:إن لبيد بْن رَبِيعَة وعدي بْن حَاتِم قدما فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد،ثُمَّ دخلا المسجد،وقالا لي: استأذن لنا يَا عَمْرو على أمير المؤمنين،فهما والله أصابا اسمك،أنت الأمير،ونحن المؤمنون.قال:فجرى الكتاب من يومئذ)).
وعمر رضي الله عنه أوَّلُ مَن اتَّخَذَ الدِّرَّة.فكان له هيبة زادت بحمله الدرة وأصبحت وما زالت شعارًا يحمله القادة إلى اليوم.
وعمر رضي الله عنه أول من جمع الناس على إمام واحد في صلاة التراويح.روي عن عروة بن الزبير عن عبدالرحمن بن عبدالقاري رضي الله عنهما، أنه قال:((خَرَجْتُ مع عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه لَيْلَةً في رَمَضَانَ إلى المَسْجِدِ،فَإِذَا النَّاسُ أوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ،يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ،ويُصَلِّي الرَّجُلُ فيُصَلِّي بصَلاتِهِ الرَّهْطُ،فَقَالَ عُمَرُ:إنِّي أرَى لو جَمَعْتُ هَؤُلاءِ علَى قَارِئٍ واحِدٍ لَكانَ أمْثَلَ ثُمَّ عَزَمَ،فَجَمعهُمْ علَى أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ،ثُمَّ خَرَجْتُ معهُ لَيْلَةً أُخْرَى،والنَّاسُ يُصَلُّونَ بصَلاةِ قَارِئِهِمْ،قَالَ عُمَرُ:نِعْمَ البِدْعَةُ هذِه،والَّتي يَنَامُونَ عَنْهَا أفْضَلُ مِنَ الَّتي يَقُومُونَ،يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ.وكانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أوَّلَهُ)).
______________________
*أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً.
______________
أ.د.عبدالعزيز العُمري

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى