أقلام عربية

أقمار

 

محمد الرياني

أيُّ طريقٍ نسلكُ الليلةَ ؟ قال لها : كلُّ الطرُقِ يضيئُها القمر ، وكلُّ الفِجاجِ صفحاتٌ بيضاءُ مثلَ صفحةِ وجهكِ القَمري ، على كلِّ جانبٍ تتألقُ الأشجار ، هذه رائحةُ الفلِّ ، ما أروعَ الفُل! هل تذكرينَ ليلةً بيضاءَ تزيَّنَ فيها جيدُكِ بجدائلِ الفل؟ أنا أتذكرُ جيدًّا، كانتْ كلُّ الطرقِ مثلَ هذه الليلة، لكنَّ قمرَ الليلةِ أكثرُ بياضًا ولمعانًا، لا أعرفُ إن كانَ حبُّك نما مع الليالي لأرى الفجاجَ كالأقمار ، أم أنَّ عينيَّ اكتحلتا بلونِ القمرِ لتراكِ بدرًا على الأرض ، قالتْ له حتى أنا أراكَ بدرًا كقمرِ الليلة ، ولا أدري إن كانَ وجهُكَ قد صنعتْ منه الليالي بدرًا خالصًا أم أنَّ عينيَّ سلبتْ من الضياءِ سراجًا، انطلقا في الليلةِ المقمرة ، ثمَّ جلسا على البطحاءِ يَرسمانِ عليها أقمارًا ؛ صورةَ الشهرِ الذي وقفا بعدَ ليلتينِ من بزوغِه ، صورتَه في أسبوعِه الأول ، ودائرةً تشبهُ القمرَ الذي يعلوهما ، كلُّ واحدٍ رسَمَ على الترابِ الباردِ مشاعرَه الدافئةَ حتى ظنّا أنَّ الأرضَ تحتهما تنبضُ بالحرارة ، نهضَ ونهضتْ معه باتجاهِ سيرِ القمر، قالت إلى أينَ المَسْرى ؟ لا تُسابقِ القمر ، سيسهرُ معنا البدرُ حتى يقتربَ موعدُ حضورِ الشمس ، جلستْ باستواءٍ وقالت له : اجلسْ على الأرضِ لنرسمَ أقمارًا ، طاوعَها وجلسَ إلى جوارِها ينظرانِ إلى الطرقاتِ الرمليةِ من حولهما وهي مثلُ السطورِ على صفحاتِ الكتابة ، قالتْ له اكتبْ فيَّ سطرًا واحدًا أتذكرُه عند غيابِك أو في ابتعادِ القمر ، قال لها وهل تطاوعُني نفسي وأفارقكِ ؟ وهل سيغيبُ القمرُ وأنتِ عندي، أخذَ راحتَه على الأرضِ ثمُّ دفنَ قدميْه في البطحاءِ الباردةِ وأخذَ يمسحُ كلَّ الأقمارِ التي رسماها على الرمل، عاتبتْه برفقٍ على طمسِها ، قال لها : يكفي قمرانِ هذه الليلة ؛ قمرٌ في السماءِ وقمرٌ على الأرض ، نبَّهتْه إلى خطئه في العدِّ ، لم تقلْ له : أنتَ القمرُ الآخر ، عرَفَ ذلكَ من بريقِ عينيها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى