الأخبار المحلية

صناعة المحتوى في طريقين .. اغتنام فرصة ومعركة لفت الانتباه

في سبتمبر 2012، بدأت صورة لقطة ذات أعين زرقاء وفك سفلي عابس بالانتشار على نطاق واسع عبر الإنترنت. خلف كواليس ذلك، تواصل رائد أعمال يدعى بين لاشيز مع أصحاب “جرامبي كات” (القطة الغاضبة)، كما أصبحت تعرف الصورة الساخرة، ليقتنص فرصة كسب المال.
خلال أشهر، ظهرت جرامبي كات على برنامج “توداي” الأمريكي، وفازت بصفقة رعاية لطعام قطط، وحضرت مؤتمرات إعلامية بصفتها ضيفة رسمية. على الرغم من أن القطة نفسها قد ماتت في 2019، إلا أن مسلسلا كرتونيا عنها قيد التطوير الآن.
قوة التأثير في الإنترنت – التي يسعى لها الناس أحيانا، وأحيانا تأتي من موجة انتشار – يمكن أن يستفيد منها الذين يغتنمون الفرص. لكن لم تكن الحال كذلك دائما: كان لاشيز رائدا بطريقته. في كتابها الأول “إكستريملي أونلاين” (هوس الانخراط في الإنترنت)، تسرد تايلور لورينز، صحافية في واشنطن بوست، تاريخ وسائل التواصل الاجتماعي، والشهرة عبر الإنترنت، وإلى جانب ذلك، نمو “اقتصاد صانعي المحتوى” الهائل، يقدر بأنها سوق تبلغ قيمتها ربع تريليون دولار سنويا. “إنه كتاب يحكي عن ثورة”، كما كتبت لورينز، “أعظم تغيير في الرأسمالية الحديثة وأكثرها ابتكارا”.
ها هي قصة عن فرصة ضيعها كبار التكنولوجيا ومهووسو وادي السيليكون الغارقين في الرموز. لقد ادعوا الاهتمام بالأهداف السامية مثل “ربط العالم” – متجاهلين تجاهلا كبيرا فضول ومتطلبات أكثر مستخدميهم إبداعا. في أوائل العقد الأول من هذا القرن، بدأ رائدو الأعمال الصغار غير التقليديين بتجريب البث بأنفسهم باستمرار. كان من ضمنهم المدونات الأمهات اللاتي غيرن الخطاب حول الأمومة بنقاشات صريحة حول واقعها القاسي. كما تعرفنا أيضا على مستخدمي موقع ماي سبيس الصغار الطائشين، ومدوني الفيديوهات، ومالكي الحيوانات الأليفة الذين جعلت الصور الساخرة حيواناتهم شهيرة.
تربط لورينز ببراعة قصص المؤثرين الفردية مثل هذه بظهور الوسطاء السريعين والمنطلقين الذين سعوا لسد الفجوة التي تركتها المنصات ومساعدة تلك الشخصيات على تحقيق مكاسب مالية من تأثيرهم. بالنسبة إلى “المؤثرين الصغار”، فقد بدأت إدارات المؤثرين ومنصات التسويق بتقديم طرق لتوصيل مشاهير الإنترنت بالعلامات التجارية. أما بالنسبة إلى النجوم الكبار، فقد انقضت عليهم وكالات المواهب والوكلاء لتوقيع الصفقات. مع كل فصل وكل ظاهرة، تتدفق موجات جديدة من تمويل رأس المال المغامر.
لاحظت منصات مثل يوتيوب قوة هذا النوع من المستخدمين مبكرا، وتقاسمت على سبيل المثال عوائد الإعلانات مع “صانعي المحتوى”. أدركت فيسبوك وسناب شات خطأهما بعد ذلك وأسرعتا في مواكبة ذلك. كتبت لورينز، “بينما تضم أسطورة وادي السيليكون شبابا يستطيعون رؤية المستقبل أفضل من أي شخص آخر، فإن ما أثبته ظهور وسائل التواصل الاجتماعي حتى الآن هو أن جميع هؤلاء الشباب تقريبا كانوا مخطئين”.
على الرغم من احتفاء لورينز بصناعة صانعي المحتوى المبتكرين، لم تنجح جميع التجارب. كانت “طفرة الجولات” – توجيه الشركات للمؤثرين المنهكين من مدينة إلى أخرى للقاء معجبين يصرخون بأسمائهم – عابرة ومليئة بالمشكلات الأمنية. “منازل التعاون”، التي وضع فيها مراهقو تيك توك معا في القصور والشقق العلوية الفاخرة لصنع المحتوى ونمت شعبيتها أثناء الجائحة، انحدر مستواها حتما إلى احتفالات وفوضى.
معركة لفت الانتباه، لا تزال مستمرة بلا كلل كما هو واضح. تسلط لورينز الضوء على “ثقافة المقالب” في يوتيوب – القيام بمزحات على الواقع لتنتشر عبر الإنترنت – التي تزداد شدتها وأحيانا بشكل خطير. كما تنتقد قنوات النميمة التي تتحدث عن علاقات صانعي المحتوى الآخرين وخلافاتهم ومشكلاتهم بسبب قسوتها. وتتعمق لورينز بشكل صائب في تأثير “سباق التنافس المعقد” في المبدعين أنفسهم، الذين ينهكهم الضغط المستمر للنشر عبر الإنترنت وحكم الناس عليهم. “لا توجد حاجة إلى شاشة تلفزيون أو مسؤولين تنفيذين في مجال الترفيه”، كما كتبت. لكن قلة البالغين في هذه المساحة لا تخفى عادة. كما تعرب المؤلفة عن تعاطفها مع صانعات المحتوى اللائي تتعرضن للمضايقات والاعتداء.
لكونها هي نفسها منخرطة في الإنترنت بهوس – وبنجاح – فقد أصبحت لورينز موضع حسد كثير من الصحافيين البارعين في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، لكن بالنسبة إليها وإلى مواضيعها فقد كان لذلك تكلفة. في 2021، أدانت المؤسسة الدولية الإعلامية للمرأة “حملة تشويه قاسية عبر الإنترنت” ضد لورينز، أثارها جزئيا مقطع من برنامج تاكر كارلسون على قناة فوكس نيوز، ومن المفارقة أنه هاجمها فيه لحديثها علنا ضد المضايقات.
لم تسأل لورينز عما يخبرنا به دافع تسليع حيواتنا اليومية عن الطبيعة البشرية إلا في خاتمة الكتاب – مشكلة لن تتسارع أهميتها إلا من خلال التقدم التكنولوجي مثل الذكاء الاصطناعي، كما لاحظت. “نريد إقرارا بوجودنا، والوجود عبر الإنترنت يصبح مقياس ذلك الإقرار بشكل متزايد”، كما تجادل، لكنها تطرح ذلك على أنه بحث إيجابي عن التواصل.
إنها نهاية متفائلة بشكل صادم لعمل يقر – ولا يقدم حلولا واضحة – بمخاطر أن يكون الشخص “منخرطا في الإنترنت بهوس”. لكل ثورة سلبيات، وهذه ليست استثناء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى