
شكوك المستثمرين تطوق الاتحاد الأوروبي .. اللاعب المهم الآن في أسواق الديون
من المتوقع أن يصل حجم ديون الاتحاد الأوروبي إلى 900 مليار يورو بحلول نهاية 2026، حيث تقترض الكتلة لتمويل برامج التعافي من فيروس كورونا ودعم أوكرانيا، لكن المستثمرين يجدون سنداتها أقل جاذبية من بعض سندات البلدان الأوروبية منفردة.
نما إصدار سندات الكتلة منذ أن توصلت الدول الأعضاء إلى اتفاق تاريخي في 2020 بشأن إصدار الديون المشتركة لبرنامج نكست جنريشين أي يو، المصمم لمساعدة الاقتصادات على التعافي من الجائحة ودعم التحول الأخضر والرقمي في أوروبا.
ومن مستوى منخفض للغاية، تحول الاتحاد الأوروبي سريعا إلى “لاعب مهم” في أسواق الديون، حسبما قال مسؤول في الاتحاد الأوروبي.
وأضاف المسؤول: “بحلول نهاية 2026، سيكون لدينا ديون مستحقة بقيمة 900 مليار يورو. ويتطلب هذا المخزون من الديون إعادة التمويل: علينا أن نجعل هذه السوق ناجحة بسبب ذلك”. وكومة ديون بهذا الحجم من شأنها أن تجعلها خامس أكبر ديون في الاتحاد الأوروبي.
مع ذلك، طموحات بروكسل في أن تكون جهة إصدار مساوية لكل بلد أوروبي يعوقها التردد السياسي في مواصلة إصدار الديون على نطاق واسع بعد 2027 واستبعاد السندات من المؤشرات السيادية. ترك هذا المستثمرين غير متأكدين من حجم السوق في المستقبل.
قال روهان خانا، رئيس استراتيجية أسعار اليورو في بنك باركليز: “السؤال المهم بالنسبة إلى السوق هو: هل كان برنامج نكست جنريشين أي يو استثنائيا أم أن هذا النوع من الاستجابة المالية المنسقة هو النموذج المتبع الآن؟”.
“هل نريد استخدامه كوسيلة لتمويل مشاريع البنية التحتية وأن تكون لدينا ميزانية مشتركة، بحيث يكون الاتحاد الأوروبي أشبه بدولة؟” كما أضاف أندريس سانشيز بالكزار، رئيس السندات العالمية في شركة بيكتيت. “لست متأكدا من وجود الإرادة السياسية للمضي في هذا الاتجاه”.
لدى الاتحاد الأوروبي ديون قيد الإصدار بقيمة 450 مليار يورو، وهي زيادة هائلة من نحو 50 مليار يورو في 2020. وقال مسؤولون إنه من المتوقع أن يرتفع هذا المبلغ إلى ما يزيد على 500 مليار يورو العام المقبل، حيث يمول برامج التعافي من الجائحة والاستثمارات الخضراء ودعم أوكرانيا، وأن يصل إلى 900 مليار يورو بحلول نهاية 2026.
يتعلق الجزء الأكبر من التمويل ببرنامج نكست جنريشين أي يو، الذي سيصل حجمه إلى 800 مليار يورو، ومن المقرر أن ينتهي في 2027، بقروض أخرى مرتبطة بتمويل أوكرانيا.
مع ذلك، يطالب المستثمرون بعلاوة لامتلاك الدين. رغم التصنيف الائتماني للاتحاد الأوروبي الممتاز AAA – أعلى من التصنيف الائتماني لفرنسا AA – يتم تداول سندات الاتحاد الأوروبي القياسية لأجل 10 أعوام بعائد يبلغ 3.6 في المائة، مقارنة بـ2.8 في المائة لألمانيا و3.4 في المائة لفرنسا. وتتحرك العوائد في اتجاه معاكس للأسعار.
يشير المستثمرون إلى الكمية الصغيرة نسبيا من السندات المتاحة للتداول بحرية، ما يجعلها أقل سيولة، أو أكثر تكلفة في الشراء والبيع. يشيرون أيضا إلى عدم إدراجها في مؤشرات السندات السيادية، التي يستخدمها المستثمرون لقياس محافظهم الاستثمارية، ما يؤدي إلى خفض عدد المشترين المحتملين بشكل كبير.
قال خانا: “إذا كنت تتداول بسعر أرخص من فرنسا وألمانيا، فستواجه مشكلة لأن ذلك يجعل تكاليف الاقتراض لديك أعلى. إن التداول بسعر أقل من سعر فرنسا بتصنيف ائتماني أفضل يشكل تحديا”.
تحاول المفوضية الأوروبية تشجيع تطوير السوق الثانوية لتعزيز السيولة واستقطاب مستثمرين أكثر. قال مسؤولون إن خطط العام المقبل الخاصة بتسهيلات إعادة الشراء – التي تسمح للمستثمرين بالاقتراض مقابل الديون لليلة واحدة – وسوق العقود الآجلة لسندات الاتحاد الأوروبي تسير على الطريق الصحيح.
العقود الآجلة هي مشتقات يمكن للمستثمرين من خلالها شراء الأوراق المالية الأساسية أو بيعها في تاريخ مستقبلي، ما يسمح لهم بتحويط مراكزهم.
“إذا أنشأ الاتحاد الأوروبي سوقا جيدة لإعادة الشراء والعقود الآجلة – فسيعطي انطباعا بأنها ستستمر. قد يساعد ذلك على تضييق نطاق الفرق”، كما قال سانشيز بالكزار.
قال المسؤولون إن المفوضية تأمل أيضا أن يتم إدراج الدين في المؤشرات “لتعزيز الطلب الهيكلي على سندات الاتحاد الأوروبي”، لكنهم أضافوا أن ذلك سيستغرق بعض الوقت.
وفقا لدراسة استقصائية للمستثمرين أجرتها المفوضية، نحو ثلثي المستثمرين سيزيدون انكشافهم على ديون الاتحاد الأوروبي إذا تم إدراج السندات في مؤشر سيادي، حيث قال نصفهم إنهم سيزيدون انكشافهم بمقدار “كبير”.
قال جريجوري كلايس، زميل بارز في مركز بروجل للأبحاث الاقتصادية في بروكسل، إن التباطؤ المتوقع في إصدار ديون الاتحاد الأوروبي نهاية 2027، عندما ينتهي برنامج نكست جنريشين أي يو، يؤدي أيضا إلى إبعاد المستثمرين.
“تقول المفوضية إنها ستقلص الإصدار تدريجيا، لكن السوق ستصبح رغم ذلك أقل سيولة بشكل متزايد”، كما قال.
سيتعين على الاتحاد الأوروبي البدء في سداد الاقتراض لبرنامج نكست جنريشين أي يو بدءا من 2028. تتكون المبادرة من مجموعة من المنح والقروض، حيث من المتوقع أن يتم سداد القروض من الدول الأعضاء المقترضة بينما يتم سداد المنح من ميزانية الاتحاد الأوروبي.
ارتفعت تكاليف الاقتراض التي يتحملها الاتحاد الأوروبي والجهات المصدرة الأخرى مع رفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة، حيث بلغ سعر فائدة تسهيلات الودائع 4 في المائة، ارتفاعا من ناقص 0.5 في المائة في يوليو 2022.
هذا الأمر يمثل مشكلة بشكل خاص للاتحاد الأوروبي، الذي يواجه الآن تكاليف أسعار فائدة أعلى من المتوقع مقارنة بما كان مخصصا في الميزانية، في الخطط المالية التي وافقت عليها الدول الأعضاء.
قال يوهانس هان، مفوض الاتحاد الأوروبي للميزانية، في أغسطس، إن تكاليف أسعار الفائدة ستصل إلى أربعة مليارات يورو في 2024، أي نحو ضعف المبلغ المتوقع سابقا البالغ 2.1 مليار يورو، بسبب ارتفاع أسعار الفائدة.
لمواجهة التكاليف المرتفعة الناجمة عن أسعار الفائدة وغيرها من التحديات، تواجه المفوضية مهمة سياسية صعبة تتمثل في مطالبة الدول الأعضاء بمزيد من الأموال، في المناقشات الجارية بشأن الميزانية.
قال دبلوماسي أوروبي: “يتعين على وزراء المالية في الاتحاد الأوروبي جعل تخفيضات الميزانية الصعبة مقنعة محليا من أجل التعويض عن ارتفاع أسعار الفائدة. إن مطالبتهم بدفع المليارات، ببساطة لكي تتمكن المفوضية من تجنب خيارات صعبة مشابهة، أمر فاشل سياسيا”.