الشعر والأدب

سفينة الحوكمة

من نِعَم الله تعالى علينا أن سخّرَ لنا هذه المركبة العجيبة، تشقُّ عُباب البحار، وتصارع تلاطم الأمواج، مهما كان حجمها، ومهما صار وزنها، قال الله تعالى: “وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلۡفُلۡكَ لِتَجۡرِيَ فِي ٱلۡبَحۡرِ بِأَمۡرِهِۦ” إِبۡرَاهِيم الآية 32 وقال سبحانه: “رَّبُّكُمُ ٱلَّذِي يُزۡجِي لَكُمُ ٱلۡفُلۡكَ فِي ٱلۡبَحۡرِ لِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ كَانَ بِكُمۡ رَحِيما” الإِسۡرَاء الآية 66 تخوض غِمارَ البحار، وأهوال المحيطات، تتنقل لكل وجهة هي موليتها سفراً وتجارة وسياحة.
تبحر السفينة وفق سير معلوم، وخط مرسوم، فلا يمكن لها الوصول لبر الأمان بدون خطوات وإجراءات وسياسات أتقن صنعها وأبدع رسمها من هو عارفٌ وماهرٌ في أسرار البحار وأهواله.
ونحن في سفينة العمل الخيري، نشهد نقلة نوعية في تنمية المجتمع بأعلى المستويات، حيث تبنت المملكة العربية السعودية القطاع غير الربحي وتعزيز دوره، فظهر في رؤية المملكة في 2030 وبرامجها الاستراتيجية.
​​وسفينة العمل الخيري تبحر وفق أنظمة وسياسات وإجراءات وضعتها الدولة ممثلة بوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، فلا يمكن أن تسير هذه السفينة إلا بثلاثة أشرعة:
1- شراع السلامة المالية.
2- شراع الشفافية والإفصاح.
3- شراع الالتزام والامتثال.
والناظر المتخصص يعلم ما وقع من الأزمات المالية العالمية قديماً وحديثاً، وما ترتب عليها من تبعات سياسية واقتصادية واجتماعية؛ بسبب الضعف والإخلال في تطبيق الحوكمة. فمهما هبّت عواصف المخاطر أو محاولة تغيير الاتجاه؛ إلا أن مراسي الحوكمة ترسخ ممارسة العمل، وتوجهه بالقواعد والقوانين التي تهدف إلى توجيه الأعمال وإدارتها ومراقبتها، وتحدد حقوق وواجبات كل طرف ذي علاقة بها.
​إن الحوكمة تؤدي دوراً كبيراً في تعزيز قيم الشفافية والمساءلة، والمسؤولية، والإنصاف داخل المؤسسات والجمعيات الأهلية، وتُعدّ من أهم العمليات الضرورية واللازمة لحسن سير أداء المؤسسات والجمعيات، وتأكيد نزاهة الإدارة، كما أنها وسيلة للوفاء بالالتزامات والتعهدات لضمان تحقيق الجمعيات والمؤسسات الأهلية أهدافها، كما تكفل الحوكمة تطبيق الأطر والنصوص النظاميّة بصورة عادلة ودون إقصاء بين أفراد المجتمع.
​وقد أطلقت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية مشكورة مبادرة حوكمة المنظمات غير الربحية، والتي جاءت استجابة للتحديات الحالية التي تواجه القطاع غير الربحي، وهادفة إلى ضمان التزام المنظمات غير الربحية بالأنظمة ذات العلاقة واللوائح التنفيذية والأساسية، وممارسات الحوكمة الفعّالة، وتمكين الجهات المشرفة من متابعة أداء المنظمات غير الربحية في فاعلية استخدام الموارد المالية والبرامج والخدمات وتحسين العمليات الداخلية. ومن فوائد وأهمية الحوكمة (كما في تقرير حوكمة المنظمات غير الربحية “مكين” لعام 2020) ما يلي:
1- وجود مصدر رسمي للمعلومات المحدّثة والموثوقة عن القطاع غير الربحي وإتاحتها للعامة.
2- حماية وتحسين الصورة الذهنية للقطاع غير الربحي لأفراد المجتمع.
3- تحسين بيئة العمل في القطاع غير الربحي لتصبح جاذبة للقوى العاملة.
4- توجيه المجتمع نحو فرص التنسيق والاستثمار الاجتماعي في القطاع غير الربحي.
5- إشراك المجتمع في مساءلة الجمعيات الأهلية.
6- تمكين الجهات والمراكز من إجراء الدراسات والأبحاث التي تسهم في نشر المعرفة عن القطاع غير الربحي وتحديد التحديات واقتراح الحلول.
7- أثبات فاعلية وأثر الجمعيات أمام الجهات المنظمة.
8- تحسين أداء الجمعيات الأهلية وتأكيد نزاهة الإدارة وحثها على الوفاء بالالتزامات والعهود.
9- تعزيز مسؤولية الجمعيات الأهلية وشفافيتها تجاه أصحاب المصلحة والمستفيدين.
فهنيئاً للعاملين في هذا المركب المبارك، حيث سخرهم الله لخدمته، فهو من الأعمال التي يتقرب بها إلى الله سبحانه، لمن أخلص نيته، وأصلح علانيته.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الخازنُ المسلمُ الأمينُ ينفِّذُ ما أُمِرَ بهِ فيُعطِيه كاملاً مَوْفراً، طيِّبَةً بهِ نفسهُ فيَدْفعُه إلى الذي أُمِرَ بهِ أحدُ المتصَدِّقَينِ) متفق عليه.
كتبه: سعود بن درويش البوعينين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى