الأخبار المحلية

ذكرى “ليمان براذرز” السنوية .. الإشراف المصرفي لا يزال كارثيا

قبل 15 عاما، أصبح العالم المالي مهووسا بنسب رأسمال البنوك. فبعد انهيار ليمان براذرز، كان هناك سباق لتشديد معايير رأس المال والسيولة.
وهذا مستمر، حتى في هذه الأيام. ففي الوقت الحالي مثلا، تحاول الحكومة الأمريكية تنفيذ موجة جديدة من قواعد بازل3، الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة من جانب شخصيات في وول ستريت مثل ديفيد سولومون، رئيس بنك جولدمان ساكس، الذي هاجم هذه التدابير قائلا: إنها “تعدت الحدود”.
إن هذا جزئيا مجرد تذمر في وول ستريت. قبل 2008، كانت احتياطيات رأس المال لدى البنوك الكبرى هزيلة إلى حد يبعث على السخرية، وكانت القواعد المحيطة بتوريق الرهون العقارية التي لا تتسم بالملاءة، مثلا، متساهلة للغاية. وحقيقة أنه تم تشديدها منذ ذلك الحين أمر جيد.
لكن ليست كل شكاواهم خاطئة. فبغض النظر عما إذا كنت تعتقد أن قواعد رأس المال صارمة أكثر مما ينبغي، فهناك مشكلة أكبر بكثير الآن: كانت الإصلاحات التي تمت على مدى الأعوام الـ15 الماضية غير متوازنة إلى حد كبير.
على وجه الخصوص، رغم وجود ضجيج لا نهاية له حول معايير رأس المال والسيولة، كان هناك نقص مؤسف في الاهتمام بمجالات التمويل الأخرى.
فبعض خطايا الإغفال هذه تنطوي على مؤسسات: تظل مجموعتا فاني ماي وفريدي ماك للرهون العقارية مثلا، عالقتين في عالم غريب من النسيان القانوني، بينما لا يزال التدقيق في المجموعات المالية غير المصرفية ضئيلا للغاية.
مع ذلك، يمكن القول: إن الصمت الأكبر على الإطلاق يتعلق بطبيعة الإشراف المالي نفسه.
حتى وسط هذا النشاط المحموم حول قواعد رأس المال والسيولة، فإن مسألة كيفية تمويل ودعم الأشخاص الذين من المفترض أن يراقبوا التمويل في المقام الأول – أي المشرفين – لم تجتذب سوى قليل من النقاش.
أو بعبارة أخرى، في عالم ما بعد “ليمان براذرز”، بدا التمويل كأنه مباراة كرة قدم تم فيها تغيير القواعد في منتصف المباراة بطرق متعددة ومذهلة، لكن من دون إضافة مزيد من الحكام، ومنحهم السلطة والموارد والأنظمة التي تسمح لهم بالقيام بعملهم ببراعة. فلا عجب أن تحدث أخطاء.
لفهم ذلك، يجدر بنا أن نطلع على (الإشراف الجيد: دروس من الميدان)، وهي ورقة عمل جديدة صادرة عن صندوق النقد الدولي. قد يبدو العنوان مملا، لكن الرسالة لاذعة.
تبدأ الورقة بالإشارة إلى أن صندوق النقد الدولي حذر مرارا وتكرارا في الأعوام الأخيرة من أن الأنظمة الإشرافية في معظم الدول الغربية كانت ناقصة، ولكن تم تجاهل هذه التعليقات.
حيث يعلن فريق صندوق النقد الدولي أن “عديدا من الاقتصادات المتقدمة والناشئة والنامية (تفتقر) إلى مشرفين مستقلين على البنوك يتمتعون بصلاحيات واضحة تتعلق بالأمن والسلامة، وسلطات كافية، وحماية قانونية في أداء واجباتهم. إن أوجه القصور في النهج الإشرافي والتقنيات والأدوات، خاصة السلطات التصحيحية والعقابية منتشرة أيضا على نطاق واسع.”
آخ! ولدعم هذا الأمر، يقدم صندوق النقد الدولي رسوما بيانية لتتبع أوجه القصور هذه. لكن التاريخ الحديث يقدم مثالا قويا بالقدر نفسه للمحنة.
قبل أن يفشل بنك وادي السيليكون في ربيع هذا العام، مثلا، كانت هناك علامات متعددة تشير إلى أنه كان يعاني مشكلات عميقة.
ومع ذلك، كان المشرفون في الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو إما غير راغبين أو غير قادرين على التعامل مع المشكلات، رغم أنهم استطاعوا رؤيتها.
وعلى نحو مشابه، كانت المشكلات التي يعانيها بنك كريدي سويس واضحة أيضا قبل وقت طويل من انهياره في مارس. لكن الهيئة التنظيمية السويسرية وقفت مكتوفة الأيدي، ويرجع ذلك جزئيا إلى عدم انتهاك البنك أيا من قواعد رأس المال والسيولة التي تمت صياغتها بعناية – وتشديدها – في الأعوام الـ15 الماضية.
يؤكد صندوق النقد الدولي أنه لا يمكن بالضرورة إلقاء اللوم على الأفراد في هذه الإخفاقات، بل إن المشكلة الحقيقية هي النظام كله، خصوصا أنه دون مستوى مناسب من الموارد والاستقلالية والاحترام، سيكون من الصعب جدا على المشرفين التصرف بطريقة ذكية واستباقية. حافزهم الأول هو الامتثال للبيروقراطية والأنظمة البالية.
إن الخبر السار هو أن عديدا من المشرفين يعرفون هذا.
مثلا، أصدر الاحتياطي الفيدرالي تقريرا طويلا حول إخفاقات بنك وادي السيليكون. واعترف أجوستين كارستينز، رئيس بنك التسويات الدولية، أخيرا بأن “الإشراف المصرفي يحتاج إلى تحسين أدائه”.
إن بعض الهيئات التنظيمية تحاول أيضا تغيير ممارساتها وثقافتها الداخلية. لنأخذ مثلا البنك المركزي الأوروبي. قبل شهرين، كشف النقاب عن “خطة عمل لبناء محفظة مبتكرة من التكنولوجيا الإشرافية” تستخدم الرقمنة لتعزيز أسلوب مراقبة أكثر تطلعية وعابر للحدود.
في الواقع، كان بإمكان البنك المركزي الأوروبي أن يتبنى هذا التحول (المعقول) حتى قبل ظهور “التكنولوجيا الإشرافية”. لكن الابتكار الرقمي يجعل الأمر أسهل، والأهم من ذلك، أنه يوفر ذريعة لتحدي المحرمات الثقافية الداخلية.
ولكن الخبر السيئ هو أنه سيكون من الصعب جدا إنشاء هياكل إشرافية ذكية تتطلع إلى المستقبل ما لم يتم منح المشرفين قدرا أكبر من الاستقلالية. فمثلا، في حالة الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو، كان ينبغي للمشرفين عليه أن يصرخوا في العام الماضي بأن السياسة النقدية المفرطة في التساهل (التي ينتهجها الاحتياطي الفيدرالي) تعمل على إيجاد الحوافز لمجموعات مثل بنك وادي السيليكون للمراهنة بشكل خطير بالسندات. لم يفعلوا ذلك.
أو بعبارة أخرى، من الأسهل دائما على صناع السياسات أن يعدلوا قواعد رأس المال ـ وإلقاء اللوم على البنوك الجشعة عندما تحدث أخطاء ـ بدلا من أن ينظروا إلى أنفسهم.
ولهذا السبب، فإن تقرير صندوق النقد الدولي يجب أن يقرأ، خاصة في الذكرى السنوية لصدمة ليمان براذرز.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى