
حلم العمل في الرحلات طالته سهام التنظيم المؤسسي
الحلم الشاعري بأن تصبح “رحالا رقميا” قديم قدم الإنترنت نفسه تقريبا. ستيفن كيه روبرتس، رائد الأعمال الذي سافر عبر الولايات المتحدة على دراجة تعمل بالحاسوب منذ أكثر من 30 عاما، كتب في 1994 عن إنشاء “قافلة تكنولوجية رحالة افتراضية (…) للمسافرين في جميع أنحاء العالم” على أساس أن “الموقع المادي يصبح غير ذي صلة بمجرد نقلك جوهر حياتك إلى شبكة الإنترنت”.
لكن لم ينتشر هذا المصطلح فعلا إلا بعد كوفيد – 19. إذ أوجدت الجائحة الظروف المثالية. رغب العمال في التغيير بعد ملل عمليات الإغلاق، وأدركت الشركات أن بإمكانها الوثوق بالموظفين للعمل عن بعد، وكانت الدول المعتمدة على السياحة في حاجة ماسة إلى الزوار. فجأة بدا أنه من الممكن لأي عامل مكتبي من ذوي الياقات البيضاء أن يعمل في أي مكان يريده، ليس فقط العاملين المستقلين غير المقيدين، الذين كانوا يفعلون ذلك بالفعل، بل حتى الموظفين العاديين. أطلقت عشرات الدول “تأشيرات العمل المتنقل” لإضفاء طابع رسمي على هذا الاتجاه والاستفادة منه.
لسوء حظ الحالمين، اصطدم حلم الحرية هذا بواقع الضرائب والهجرة والأمن السيبراني وقوانين العمل. لم تقض الشركات على العمل المتنقل للجموع، لكنها تدفعه نحو شكل أقل خطورة وأكثر تنظيما. بعبارة أخرى، يجري تحويل العمل المتنقل إلى نظام مؤسسي.
بدأت الشركات التي ترغب في إبقاء موظفيها سعداء “في التفكير في كيفية إدخال ذلك في عرض القيمة المقنعة لموظفيها، تريد ضبطه، لكنها تريد أن تشعر موظفيها بأنهم يحصلون على شيء”، كما قالت كلير بيبر من شركة فيالتو بارتنرز، التي تقدم المشورة للشركات بشأن قضايا التنقل العالمي عبر الحدود مثل الهجرة والضرائب والسفر والأجور والعمل عن بعد.
يعني هذا عموما إخبار الموظفين بأنه يمكنهم العمل من موقع دولي مؤقتا، لكن مع وجود قيود على المكان والمدة. تقول بيبر “إن الشركات غالبا ستحظر بعض الدول المحفوفة بمخاطر الأمن السيبراني أو ضريبة الشركات، وستضع قائمة بالمواقع المرشحة المفضلة”. الإطار الزمني الأكثر شيوعا والمسموح به هو 20 إلى 30 يوما، الطريقة الأكثر أمانا لتجنب المشكلات الضريبية. عندما أجرت شركة فيالتو استطلاعا لأكثر من 800 شركة عن سياسات العمل عن بعد فيها العام الماضي، 7 في المائة فقط أيدته لأكثر من 60 يوما.
تقدم بعضهم خطوة وأجروا ترتيبات مع مواقع محددة. فقد أرسلت شركة سيسكو التكنولوجية في الآونة الأخيرة 17 موظفا إلى جزيرة رودس ثلاثة أشهر بالتعاون مع الحكومة المحلية هناك. عمل الموظفون عن بعد من الجزيرة لكنهم شاركوا أيضا في أنشطة تطوعية، في محاولة لإثبات أن الرحالين الرقميين يمكن أن يفيدوا المجتمع المضيف، ولا يتعين عليهم أن يكونوا منعزلين ومقطوعين عن العالم.
إنه مصدر قلق مبرر. هناك بالفعل دمدمات غضب من أماكن مثل مكسيكو سيتي وجزيرة ماديرا البرتغالية، حيث تم إلقاء اللوم على العمل المتنقل في رفع أسعار العقارات والانجذاب نحو مقاهي “مناسبة لنشر صور على إنستجرام” مع خدمة وايفاي سريعة وقهوة فاخرة، بدلا من التعرف على السكان المحليين. من جهة أخرى، كتبت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية العام الماضي أن “الفوائد التي تعود على الدولة المضيفة التي يجلبها العمال المتنقلون لا تزال غير واضحة”. أشارت المنظمة إلى أنه في معظم الدول، لا يصبح العمال المتنقلون مقيمين ضريبيا إلا بعد 183 يوما، ولا يسمح لهم عادة بالمشاركة في سوق العمل المحلية، ما يعني أن مساهمتهم الرئيسة هي الاستهلاك فقط.
أخبرني جيانبولو باروزي، مدير الموارد البشرية في “سيسكو”، بأن “العامل المتنقل النموذجي هو الحر الذي يعمل لحسابه الخاص، مطور مواقع الويب الذي يمكنه التطوير من أي مكان، لكن ما نختبره -وهو أكثر تأثيرا في أماكن الاستضافة- هو العاملون المتنقلون المؤسسيون (…) لم نرسل ثلاثة أشخاص، أرسلنا 17، لذلك هناك عدد أدنى معين. لدى هؤلاء الأشخاص هوية مشتركة معينة”.
لدى “سيسكو” مصلحة خاصة في استمرار شعبية العمل عن بعد، بالطبع، لكنه يبدو رغم ذلك تجربة جديرة ومثيرة للاهتمام. على نطاق أوسع، حقيقة أن الشركات تسمح للموظفين بالعمل في مكان آخر فترة قصيرة أمر جيد من وجهة نظري. لكني لست متأكدة من أنه يمكنك تسميته “متنقلا” حقا.
في المقابل، تحدثت الأسبوع الماضي إلى لوسي روجرز، عالمة ومهندسة تعمل على تأليف كتاب. لقد فكرت العام الماضي: “إذا كنت أعمل من غرفة نومي، فلم لا أفعل ذلك من أي مكان؟” حزمت أغراضها في المخزن، وأجرت منزلها لمدة عام، وذهبت إلى تشيلي حيث أقامت مع عائلة محلية وأخذت دروسا في اللغة الإسبانية. هي الآن موجودة في جزيرة في تايلاند.
قالت ممازحة، “سأعذبك”، قبل أن تدير حاسوبها المحمول حتى أتمكن من رؤية المنظر أمامها، بحر سماوي وأرجوحة متمايلة. عدوني حالمة قديمة، لكن هذا ما أسميه العيش في حلم العمل المتنقل الحقيقي.