تَجارب
محمد الرياني
لا يعرفُ إن كان مخطئًا في عدمِ الردِّ عليها، أم أنَّه ألقى غرامَها كمن ألقى قارورةً أنيقةً لتكونَ شظايا على سطحٍ خشن ، بالنسبةِ له فقد جرَّب الحُبَّ؛ كان عندهم قطةٌ بيضاءُ صغيرةٌ في غايةِ الجَمالِ والدلال ، تتركُ الجميعَ وتقتربُ منه لتتمسحَ بذيلِها في ظهره ، يقدِّمُ لها الحليبَ ويتفرغُ لمشاهدةِ رأسِها منغمسةً في اللبنِ فيأسره منظرُ لسانِها المتوردةِ عندما تعزفُ لحنًا ليشربَ بدلًا عنه ، كبرتِ القطةُ وسمنتْ وزهدتْ في التمسُّحِ به ، تعرَّفَ عليها قطٌّ أسودُ يحبُّ أكلَ السمك ، صوتُه مرعبٌ إذا مَاءَ أو اقتربَ من القطَّةِ أحد ، ندمَ على الحليبِ الذي كان يَحرِمُ نفسَه منه ويتركُه لها، أشفقَ عليها عندما أبصرها هزيلةً تبحثُ في القمامةِ عن بقايا طعام ؛ بينما صاحبُها الأسودُ يجرُّ رجليه وهو يموءُ بضعف ، كبرَ أكثرَ وكرَّر الحبَّ ، سمعَ التي أحبَّها تقولُ لرفيقتها، كيف لو كان هذا زَوجًا لك ، قالت لها : هع ، أعادتْها مرتين ، ما لقيتِ في الدنيا إلا هذا!! دارتْ الأيامُ وتغيرتْ ملامحُه وزالتْ بعضُ النتواءاتِ من وجهِه وأصبحَ وسيمًا ، مرَّ بجوارهما يومًا وهما تمشيان بتثاقلٍ وقد ملأهما الشحم ، حرَّكَ حدقتيْ عينيه الساحرتين نحوهما ، قال مازحًا : هع ، كرَّرها مرتين ، قالتا له : لاتشمتْ حتى لايصيبكَ ما أصابنا ، اعتذرَ منهما وتجاوزَهما بكلِّ رشاقةٍ وزَوجتُه الحسناءُ تسأله عن خبرِهما فالتزمَ الصمت ، زاره الحبُّ بعد مُضيِّ ربيعِ العمر ، عاد إليه الحنينُ ولكنه كمن يشعرُ بالنسائمِ تمرُّ بجواره ولايستطيعُ الاستمتاعَ بها ، أغمضَ عينيه كي لا يرى صورَ القلوبِ الحمراء التي تصلُه بين حينٍ وآخر ، تذَكَّرُ القِطَّينِ الهزيلينِ وعبارةَ حبيبتِه ، قال للحبِّ : هع هع.