الشعر والأدب

تاج اللغات

أ.د فهد بن عبد الرحمن اليحيى

أنا لغة القرآن يا أيها الورى
فمن ذا يساميني بذلك مفخرا

أنا لغة القرآن .. لا شيء فوقها
أنا لغة الوحي الذي أنقذ الورى

أنا لغة القرآن أعجز لفظُه
صناديدَ قوم من تجاسر قهقرا

أنا لغة الإعجاز آياً وسورةً
تحدّى كتابُ الله كلَّ من انبرى

جمالُ كلام ِالله جمّل منطقي
وأورثني عزاً وأصعدني الذُّرا

كمالُ كلام ِالله كمّل أحرفي
فتمّت حروفي بالكمال مقدّرا

لي الفخر أن جاءت حروفي فواتحاً
لسور من القرآن مهما تفسّرا

وقد أعجزت بعضَ التراجم أحرفي
وألجأهم أن يكتبوه مفسرا

أنا لغة القرآن والسنة التي
بها نطق المعصومُ مسكاً وعنبرا

نبيُّ الهدى صلى عليه إلهُنا
وسَلَّمَ لم ينطق بغيريَ مُنْذِرا

أحاديثُه فُصْحى يفيض جمالها
جواهرَ ياقوتٍ من الدرّ أحمرا

جوامعَ ألفاظ خزائنَ حكمةٍ
تَفنّنَ في تطويع لفظي مُذكّرا

وأرسل في كل المدائن رُسْلَهُ
بلفظي فَسَلْ إن شئت كسرى وقيصرا

أنا لغة الإسلام قد خصني به
إلهي فلا أنفك عنه تأثرا

بلفظي -وذاك الفخر فوق لغاتهم
شهادة إسلام لمن كان كافرا

بلفظي – وذاك الفخر فوق لغاتهم
صلاة وحج أو لمن جاء زائرا

بلفظي – وذاك الفخر فوق لغاتهم
تلاوة قرآن ومن كان ذاكرا

أنا لغة العُرْبِ الأوائل جزلةٌ
كمثل زهيرٍ أو لبيدٍ وعنترا

أنا لغة تسمو ويزكو عبيرها
ولم يثنها الدهر المديد تحوُّرا

فأيّ لغاتِ العالمين عمادها
كمثل عمادي بل تراه تغيّرا

وأي لغات العالمين سياقها
كمثل سياقي بل تراه تكسّرا

ولدت شبابا لم تنلني طفولةٌ
وأبقى شبابا ما بقيت غوابرا

أنا لغة لا تنقضي مفرداتها
ودودٌ ولودٌ إنْ سواي تأخّرا

ترادف في الأسماء تبهر كثرة
فلليث أسماء مئينٌ وأكثرا

فإن شئتَ ضرغاماً وأن شئت ضيغماً
وإن شئتَ صِمّاً أوتقول غَضَنْفَرا

وشِبْلٌ وطيْثارٌ ومُرْمِلُ لائِثٌ
وإن شئتَ هَجَّاماً وإن شئتَ مِهْصَرا

ونَاهِدُ نَهَّاسٌ مُقَرْضِبُ هَيْصَمٌ
وإن شئتَ قَصْقَاصاً وإن شئتَ حيدرا

هزبرٌ ودِرياسٌ أسامة عنبس
وضَمْضَمُ صلهامٌ وإن شئت زَنْبَرا

وقَشْعَمُ فِرْناسٌ وزهدم ُهرثمٌ
هَصُورٌ وهرماسٌ وإن شئتَ قَسْوَرا

ومُشترك اللفظيّ مما حويته
فخذ من معاني (العين) أكثر ما ترى

وأيُّ لغاتِ العالمين تفننت
كمثلي فنوناً من رآها تحيّرا

ترانيَ شعراً تعشق الأذنُ جَرْسَه
عروضاً بأوزانِ الخليلِ مُسَطّرا

وإن شئتَ نثراً ينثر الدرّ كلما
يُصاغ بألوان البديع مزعفرا

فكم من خطيبٍ صيّرته بلاغتي
إماماً إذا يعلو على الناس منبرا

أعبّر عما في الفؤاد بأحرفٍ
ولفظٍ دقيقٍ موجزاً ومؤثرا

علومي وأسراري وبعض خصائصي
يعزّ سواها.. ولْتَسَلْ من تفكّرا

ضمير ونحت واشتقاق بلاغة
ونحو وصرف أو مجاز معبرا

ولن تجد الإعرابَ في غير جملتي
ولم يأت لفظ في اللغات مصغّرا

وخطي جميل أبهر الفنَّ رسمُه
وأمسى مع الإملاء بدراً مُنوِّرا

أنا لغةٌ عِزٌّ لمن عَزَّ جانبي
(هويّتكم) من زاغ عنها تعثّرا

أنا لغة من يفتخرْ بي يُجلُّه
سواه من الأقوام مهما تنكّرا

ومن كان لا يهوى سوى أعجميةٍ
فإني قد استغنيت عنه بما ترى

وهل أنا إلا التاجُ فوق لغاتهم
ومن لم ير التاجَ العظيمَ فلن يَرَى

أ.د فهد اليحيى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى