الأخبار المحلية

التزييف العميق .. على المستثمرين الحذر من تلاعبه بالسوق

في الشهر الماضي، انتشرت حادثة على الإنترنت من شأنها أن تجعل أي مستثمر يشعر بالفزع. انتشر مقطع فيديو مزيف تزييفا عميقا لتفجير مزعوم بالقرب من البنتاجون، بعد أن أعادت نشره منصات مثل “روسيا اليوم” على تويتر، وتسبب في تذبذب أسواق الأسهم الأمريكية.

لحسن الحظ، ملأت السلطات الأمريكية وسائل التواصل الاجتماعي سريعا بتصريحات تعلن أن الفيديو مزيف، وأصدرت “روسيا اليوم” بيانا حرجا تقر فيه بأنها “مجرد صورة أنشئت باستخدام الذكاء الاصطناعي”. ثم انتعشت الأسواق.

مع ذلك، أوجدت الحادثة خلفية واقعية لزيارة ريشي سوناك، رئيس الوزراء البريطاني، لواشنطن، ومحاولته لإنشاء مبادرة أمريكية-بريطانية مشتركة لمعالجة مخاطر الذكاء الاصطناعي.

أخيرا، كانت هناك موجة متزايدة من القلق داخل قطاع التكنولوجيا وخارجه حول مخاطر الذكاء الاصطناعي الفائق الموجه ذاتيا. في الأسبوع ما قبل الماضي، أصدر أكثر من 350 عالما رسالة مشتركة تحذر من أن “التخفيف من خطر الانقراض بسبب الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون أولوية عالمية إلى جانب المخاطر المجتمعية الأخرى مثل الجائحات والحرب النووية”.

تصدرت تهديدات “الانقراض” طويلة المدى هذه العناوين الرئيسة. لكن خبراء مثل جيف هينتون -أكاديمي وموظف سابق في “جوجل” يعد أحد “الأباء الروحيين للذكاء الاصطناعي”- يعتقدون أن الخطر المباشر الذي يجب أن نقلق بشأنه ليس أن الآلات ستعيث في الأرض فسادا بنفسها، بل إن البشر سيسيئون استخدامها.

قال هينتون أخيرا في اجتماع في جامعة كامبريدج “إن انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي يمكن أن يفاقم المشكلات السيبرانية الحالية مثل الجريمة والقرصنة والمعلومات المضللة بشكل كبير”.

هناك بالفعل قلق عميق في واشنطن من أن الفيديوهات المزيفة بعمق ستؤثر سلبيا في سباق انتخابات 2024. هذا الربيع، تبين أنه كان لها بالفعل تأثير في السياسة الفنزويلية. وبث قراصنة أوكرانيون الأسبوع الماضي مقطع فيديو مزيفا تزييفا عميقا لفلاديمير بوتين على بعض القنوات التلفزيونية الروسية.

لكن المجال المالي يبرز الآن باعتباره محورا آخر للقلق. في الشهر الماضي، أصدرت شركة كاسبرسكي للاستشارات دراسة إثنوغرافية لشبكة الويب المظلمة “دارك ويب”، التي أشارت إلى “وجود طلب كبير على التزييف العميق”، مع “تراوح سعر الدقيقة لفيديو مزيف تزييفا عميقا بين 300 و20 ألف دولار”. وتقول “إن التزييف استخدم في الغالب في عمليات الاحتيال المرتبطة بالعملات المشفرة حتى الآن”. لكن فيديو البنتاجون المزيف بعمق يظهر كيف يمكنه التأثير في أسواق الأصول الرئيسة أيضا. “قد نرى المجرمين يستخدمون هذا للتلاعب المتعمد بالسوق”، كما أخبرني مسؤول أمني أمريكي.

إذن هل هناك أي شيء يمكن أن يفعله سوناك والرئيس الأمريكي جو بايدن؟ ليس بسهولة. أجرى البيت الأبيض أخيرا مناقشات رسمية حول سياسات الذكاء الاصطناعي عبر المحيط الأطلسي مع الاتحاد الأوروبي “التي استبعدت منها بريطانيا، نظرا لأنها ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي”. لكن لم تسفر هذه المبادرة بعد عن أي اتفاق ملموس. يقر كلا الجانبين بالحاجة الماسة إلى سياسات للذكاء الاصطناعي عبر الحدود، لكن سلطات الاتحاد الأوروبي حريصة أكثر من واشنطن على الضوابط التنظيمية من أعلى إلى أسفل، ومصممة على إبقاء مجموعات التكنولوجيا الأمريكية بعيدة.

لذلك يظن بعض المسؤولين الأمريكيين أنه قد يكون من الأسهل بدء التنسيق الدولي بمبادرة ثنائية للذكاء الاصطناعي مع المملكة المتحدة، بالنظر إلى الإصدار الأخير لورقة سياسة أكثر ملاءمة للأعمال. هناك روابط استخباراتية وثيقة موجودة مسبقا، عبر ما يسمى باتفاقية العيون الخمس الأمنية، ويملك البلدان شريحة كبيرة من النظام البيئي الغربي للذكاء الاصطناعي “إضافة إلى الأسواق المالية”.

طرحت بعض من الأفكار. إحداها من سوناك، وهي إنشاء معهد أبحاث دولي للذكاء الاصطناعي ممول من القطاع العام على غرار المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية “سيرن”، مركز فيزياء الجسيمات. يكمن الأمل في أن هذا يمكن أن يطور الذكاء الاصطناعي بأمان، إضافة إلى إنشاء أدوات تعتمد على الذكاء الاصطناعي لمكافحة سوء الاستخدام مثل المعلومات المضللة.

هناك أيضا اقتراح لإنشاء هيئة عالمية لمراقبة الذكاء الاصطناعي مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وسوناك حريص على أن يكون مقرها في لندن. وتوجد فكرة ثالثة تتمثل في إنشاء إطار ترخيص عالمي لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي ونشرها. يمكن أن يشمل ذلك إجراءات لإنشاء “علامات مائية” توضح مصدر المحتوى عبر الإنترنت وتحدد التزييف العميق.

هذه كلها أفكار منطقية للغاية يمكن -ويجب- تطبيقها. لكن من غير المرجح أن تحدث بسرعة أو بسهولة. قد يكون إنشاء معهد على غرار “سيرن” للذكاء الاصطناعي مكلفا للغاية وسيكون من الصعب الحصول على دعم دولي سريع لهيئة مراقبة على غرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

المشكلة الكبرى التي تطارد أي نظام ترخيص هي كيفية إدخال النظام البيئي الأوسع إلى الشبكة. أشارت المجموعات التكنولوجية التي تهيمن على أبحاث الذكاء الاصطناعي المتقدم في الغرب -مثل مايكروسوفت وجوجل وأوبن إيه آي- للبيت الأبيض إلى أنها ستتعاون مع أفكار الترخيص. من شبه المؤكد أن عملاءها من الشركات سيتماشون مع ذلك أيضا.

مع ذلك، فإن سحب الشركات الصغيرة -والجماعات الإجرامية- إلى شبكة ترخيص سيكون أصعب بكثير. وهناك بالفعل كثير من مواد الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر التي يمكن إساءة استخدامها. يبدو أن التزييف العميق لفيديو البنتاجون، مثلا، قد استخدم أنظمة بدائية.

لذا فالحقيقة غير المستساغة هي أنه على المدى القصير، الطريقة الواقعية الوحيدة لمحاربة مخاطر التلاعب بالسوق هي التقصي والتدقيق اللازمان من الممولين “والصحافيين”، وبالنسبة إلى محققي الحكومة، مطاردة المجرمين الإلكترونيين. إذا ساعد خطاب سوناك وبايدن الأسبوع الماضي على رفع مستوى الوعي العام حول هذا الأمر، فسيكون ذلك شيئا جيدا. لكن لا ينبغي أن ينخدع أحد بأن المعرفة وحدها ستصلح التهديد، بل المسؤولية الذاتية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى