الأبحاث العلمية.. تنقل شجيرة الورد الطائفي من المنصة التاريخية إلى الحداثة العالمية
يشق أبناء الطائف بين الصفوف طريقهم فجرًا في عتمة الليل لكشف ملامح نضوج الورد الطائفي، فوق قمم سلسلة جبال السروات الشاهقة في منطقة مكة المكرمة غرب المملكة، ومع كل إطلالة لفجر الربيع وقرب وداع نسيم فصل شتاء، تزدهر وردة الطائف الفاتنة، منذ حوالي ثلاثة قرون، في حقول المزارع القديمة المحروثة في قلب الصخور الغرانيتية العملاقة، بين المنحدرات الجبلية التي يبلغ ارتفاعها قرابة 2000 متر فوق سطح البحر.
ويستمتع الأبناء بما أورثه الآباء والأجداد بشجيرات الورد الطائفي الغارسة بعمقها وجذورها في الترب الغنية لمزارعهم، بينما تظل سيقانها المغطاة بالأشواك ثابتة أمام هبات نسائم الجبال، في حين يطربون مع حفيف أوراق أشجار التوت والبخارى والحماط، والرمان اللوز والفواكه المجاورة، وتغريد عصافير الشروق، لتترجم لديهم انشراح أجواء الجبال العليل في جوفهم، وتنتقي حواسهم الخبيرة أولى الأزهار، التي تشكل في حياتهم اليومية نبعًا ثقافيًا وموروثًا سعوديًا منذ القدم، وأحد أهم الكنوز الخمسة المصنفة إقليميًا ووطنيا.
ويتكون ورد الطائف الجذاب محليًا وعالميًا من 30 بتلة، والبتلة “هي جزء من الزهرة وهي عبارة عن أوراق نباتية متجاورة ومتحورة” وتشتهر بنقاوتها ورائحتها الزكية الفريدة شديدة التركيز الغنية بالزيوت العطرية، التي تخضع للمعالجة لتتحول إلى زيت الورد باهظ الثمن وإلى الأبحاث العلمية المضمنة في كرسي ورد الطائف الذي تتبناه جامعة الطائف منذ عشرات السنين؛ حيث أوجدت الأبحاث العلمية فيه نافذة حديثة محملة بالآفاق التوسعية للاهتمام في تطوير آليات التعامل مع وردة الطائف على المستوى الثقافي والاقتصادي والعلمي، وإخضاعه للعديد من الأبحاث والدراسات العلمية لتطويره، والوصول إلى منتج ذي أثر بالغ على تنمية الفرد والمجتمع، للرقي بالمنتجات الصناعية السعودية للمستوى العالمي، وتحقيق الريادة في الورد الطائفي من خلال توجيه الأبحاث، التي تهدف إلى تعميق ثقافة زراعة الورد والطرق العلمية الكفيلة بزيادة المنتج، وتتبع المشاكل الزراعية له، والدراسات التي تجعل منه داعماً اقتصادياً من دعامات التنمية المستدامة.
وأكد لوكالة الأنباء السعودية “واس” عميد الدراسات العليا والبحث العلمي بجامعة الطائف الدكتور ولاء الصانع أن عناية الجامعة تأتي من خلال كرسي الورد الطائفي الذي يعمل على تحقيق الريادة العالمية للورد الطائفي ومنتجاته من خلال توجيه الأبحاث والدراسات العلمية لتطوير صناعة الورد الطائفي من خلال أكاديميين متخصصين، والاهتمام بعمليات استخلاص الزيوت من الورد الطائفي بتطبيق الطرق الحديثة، والاستخلاص بالسوائل ما فوق وما دون الحرجة، والاستخلاص بالميكروويف، الاستخلاص بالموجات فوق الصوتية، وإجراء أبحاث لحماية الورد من الأمراض الميكروبية والطفيلية والحشرية، وأبحاث مقاومة الملوحة في نباتات الورد الطائفي باستخدام حامض الجبريلليك، وأبحاث تقييم فاعلية المعاملة بجسيمات الفضة النانوية في مكافحة مرض صدأ الأوراق لنبات الورد بالطائف، ونشر المطبوعات العلمية عن التنوع الجيني داخل وبين عشائر الورد الطائفي، وطرق إكثار الورد وغيرها.
وأشار إلى أن الجامعة بصدد التوسع النوعي لكرسي الورد الطائفي في المرحلة القادمة من خلال طرح العديد من البرامج والأعمال والخطط الإستراتيجية النوعية، وعقد الورش العلمية والندوات المرتبطة بالورد الطائفي، وإكساب المزارعين المهارات العملية التطبيقية والمعارف النظرية باعتبارهم قوى مهنية متوارثة ثقافة الورد، والتعرف على الخبرات من قدامى منتجي الورد الطائفي وتطوير العمل معهم لبناء جسر من التواصل بينهم وبين حديثي العهد العاملين في مجال إنتاجه وتصنيعه، وتأكيد أهمية مكونات النباتات العطرية الاقتصادية السعودية في الصناعة كدعامة من دعامات التنمية المستدامة، وإكساب الطلاب والمجتمع المحلي والمزارعين المهارات المحملة بالبرامج النوعية.