الأخبار المحلية

اقتصاد الهاتف المحمول في ثاني أكبر القارات سكانا .. الطريق ليس ممهدا لتحويل الأموال

لم تمنع الحروب الداخلية المشتعلة في إثيوبيا شركة سفاري كوم -أكبر شركة اتصالات في كينيا- من أن تقتحم أخيرا السوق الإثيوبية وتقدم خدمة تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول. لا شك أن عدد سكان إثيوبيا الذي يزيد على 120 مليون نسمة بمنزلة إغراء كبير لأي شركة راغبة في تقديم الخدمات الرقمية المصرفية، لكن الأهم هو الإقبال المتزايد من قبل الإثيوبيين على هذا النوع من الخدمات المالية لتيسير شؤون حياتهم المالية.
إثيوبيا ليست استثناء في القارة السمراء، التي تشهد انتعاشا شديدا لخدمة تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول، فقد نجحت الهواتف المحمولة في تغيير حياة الناس عبر العالم، كما أفلحت في تغيير حياة كثير من الفقراء في الدول الأكثر فقرا، خاصة في المناطق الريفية، فقد ولت أيام التعامل مع الهواتف المحمولة باعتبارها أحد مظاهر الترف لدى الأثرياء، وباتت اليوم وسيلة لتمكين الفقراء اقتصاديا في البلدان النامية وذات الدخل المحدود، حيث يغيب في معظم الأحيان الحد الأدنى من البنية التحتية الضرورية لعمل الأسواق المالية بكفاءة.
في عالم اليوم يبلغ عدد مستخدمي الهواتف الذكية 6.92 مليار نسمة، ما يعني أن 86 في المائة من سكان الكوكب يمتلكون هواتف ذكية، ويشير البنك الدولي وبنك التنمية الإفريقي إلى أن هناك 650 مليون مستخدم للهاتف المحمول في إفريقيا وهو ما يتجاوز العدد الموجود في الولايات المتحدة أو أوروبا، ومع شيوع هذه الهواتف المحمولة الذكية فإن تحويل الأموال عبر الهاتف بالسرعة ذاتها التي تنتقل بها الرسائل النصية، جعل في مقدور كثير من الأشخاص وأصحاب الأعمال الصغيرة إرسال وتسلم الأموال لتيسير حياتهم الشخصية أو أنشطتهم التجارية، ليتغلبوا بذلك على بطء التحويلات البنكية وتكلفتها المرتفعة نسبيا، خاصة أن ملايين من سكان القارة السمراء لا تتوافر لديهم إمكانية الوصول إلى حسابات التوفير أو الائتمان أو التأمين.
هنا تقول لـ”الاقتصادية” الدكتورة دينيس لويس أستاذة الدراسات المالية في جامعة برمنجهام “إفريقيا ثاني أكبر قارات العالم والثانية أيضا من حيث عدد السكان، مع ذلك فهي تظل متخلفة بأعوام عن بقية العالم في مجال الخدمات المالية، فنحو 57 في المائة من الأفارقة ليس لديهم حساب مصرفي، وفي نيجيريا الدولة الأكثر سكانا في القارة تبلغ النسبة 60 في المائة، لكن الفضل يعود إلى كينيا في تحقيق نجاح ملحوظ في تقديم خدمة التحويل المالي عبر الهاتف المحمول في كثير من بلدان القارة، ومع هذا لا يزال النقد يسيطر على 90 في المائة من المعاملات السائدة بين الأفارقة”.
وتستدرك قائلة “ما زال الوقت مبكرا بالنسبة إلى التكنولوجيا المالية في إفريقيا، لكن المؤشرات جيدة، وهناك إقبال متزايد من الطبقة المتوسطة على تلك الخدمة، لأنها تمثل وسيلة مريحة للدفع بل وللحصول على قرض لشراء سيارة أو منزل ومن ثم رفع مستوى المعيشة، كما أن هناك اتجاها واضحا من الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم لرقمنة أعمالها، وبذلك تسعى لتجاوز البنوك التقليدية للحصول على مصادر سريعة للتمويل”.
ويرى عمالقة المدفوعات المالية التقليديون من أمثال “ماستر كارد” و”فيزا” وغيرهم، أن الآفاق واعدة في القارة السمراء، وفي الآونة الأخيرة تركز اهتمامهم على مشغلي خدمات تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول، في ضوء النمو الاستثنائي في التجارة الإلكترونية في إفريقيا، حيث يتوقع أن ينفق 435 مليون مواطن إفريقي أموالا عبر الإنترنت، وهو ما يقارب ضعف العدد قبل جائحة كورونا.
من جانبه، يلقي هولمز أدنجتون المحلل المالي، الضوء على هذا الاهتمام الدولي بهذا النوع من الخدمات المالية في إفريقيا، بالقول “في عام 2021 استثمرت (ماستر كارد) 100 مليون دولار في أعمال الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول لشركة (ايرتل إفريقيا) التي تقدر قيمة أعمالها بـ2.65 مليار دولار، وفي شهر أغسطس الماضي وافقت شركة ماستر كارد على الاستحواذ على حصة أقلية في أعمال التكنولوجيا المالية الخاصة بمزود الاتصالات الجنوب إفريقي مجموعة MTN Group MTNOY”.
وأضاف لـ”الاقتصادية” أنه “على الرغم من أن الشركة الإفريقية غير معروفة في الولايات المتحدة فإنها شركة كبيرة في إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط، والصفقة لم يتم الانتهاء منها بعد، لكن (ماستر كارد) قدرت أعمال الشركة الإفريقية في مجال التكنولوجيا المالية بنحو 5.2 مليار دولار، وسط توقعات بأن تبلغ حصة (ماستر كارد) 30 في المائة”.
وتابع “تلك الصفقة جاءت في أعقاب إعلان شركة فيزا المنافسة لـ(ماستر كارد) في أواخر العام الماضي أنها ستستثمر مليار دولار في إفريقيا على مدى العوام الخمسة المقبلة، لتوسيع أعمالها في القارة وعلى وجه الخصوص نطاق الدفع الرقمي”.
وغالبا ما تكون شركات التكنولوجيا المالية الإفريقية المحلية أكثر قدرة على اكتشاف الفرص المتاحة في السوق، ويمكنها ذلك من التحرك بشكل أسرع لطرح منتجات جديدة في إطار فهمها لطبيعة التحديات التي تواجه السكان المحللين، ما يجعل التكنولوجيا المالية في القارة تتمتع بنكهة إفريقية تختلف نسبيا عما قد يوجد في المجتمعات الأكثر تقدما”.
تكلفة الوصول إلى الإنترنت لا تزال مرتفعة في أغلب البلدان الإفريقية، وتشير البيانات الصادرة عن الاتحاد الدولي للاتصالات إلى أن ما يقرب من 75 في المائة من سكان منطقة جنوب الصحراء الكبرى لا يزالون غير قادرين على الوصول إلى الإنترنت أو استخدامه، تلك الوضعية تدفع بكثير من الشركات -في إطار سعيها للنجاح- إلى تنفيذ نماذج أعمال هجينة بعضها عبر الإنترنت والبعض الآخر خارجه، لتلبية احتياجات وقدرات العملاء.
من جانبه، ذكر المهندس ادم لويس رئيس قسم الاتصالات السابق في شركة كور بي للتحويلات المالية، أن شركات التكنولوجيا المالية في إفريقيا، ركزت على الخدمات المالية الأساسية وكان عليها بناء البنية التحتية الخاصة بها، حيث لم تكن موجودة.
وقال لـ”الاقتصادية”، “إن المحافظ الرقمية التي تعمل مع أو بدون بيانات الهاتف المحمول والاتصال بالبنوك والشركات للسماح بتحويل الأموال، ودفع الفواتير بشكل سلس، وتصميم شبكة توزيع فعلية للبيع بالتجزئة، تعتمد على أصحاب المتاجر المحليين لمنح المستهلكين إمكانية الوصول إلى الخدمة المالية، كل هذا تم تصميمه من الصفر، حيث يعود الفضل إلى الشركات الإفريقية العاملة في مجال الخدمات المالية في بناء أسس الخدمات المالية الرقمية في القارة”.
لا يوجد إحصاء دقيق حول عدد شركات التكنولوجيا المالية العاملة في القارة السمراء، لكن أغلب التقديرات تشير إلى أنها تزيد على 2500 شركة، وقدر إجمالي إيراداتها في عام 2020 بما يراوح بين أربعة وستة مليارات دولار، كما أن هناك 621 مليون حساب للأموال عبر الهاتف المحمول في القارة، ونجح اقتصاد الهاتف المحمول في توفير أكثر من 300 ألف فرصة عمل بشكل مباشر و1.1 مليون فرصة أخرى بشكل غير مباشر في جميع البلدان الإفريقية.
ويرى كثير من الخبراء أن الأعوام المقبلة ستشهد مزيدا من النمو في هذا القطاع وسيزداد عدد الشركات المالية الإفريقية وستتزايد معه أنواع وجودة الخدمات المقدمة للمستهلكين والشركات الصغيرة والمتوسطة، كما ستشهد تلك الشركات اتجاها نحو التخصص، وهذا سيساعد على توفير مزيد من فرص العمل وتسريع النمو الاقتصادي.
مع هذا، يرى آخرون أن الطريق ليس ممهدا بهذه الدرجة من السلاسة، وعلى تلك الشركات خوض معركة صعبة مع القطاع المصرفي الذي يخشى أن تفلح شركات الخدمات المالية في التهام جزء كبير من حصته السوقية في هذا المجال، يضاف إلى ذلك أن كثيرا من الهيئات التنظيمية داخل القارة وخارجها لا تزال تنظر إلى هذا الأسلوب من التحويلات المالية بعين الريبة والشك، حيث يمكن أن تتم إساءة استخدام تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول من قبل المحتالين وغاسلي الأموال.
وفي بعض البلدان تواجه شركات تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول -خاصة الناشئة صغيرة الحجم- رفضا من الجهات التنظيمية لكونها لا تتمتع بتراخيص مصرفية، ولأن شبكاتها من تجارة التجزئة في المتاجر الصغيرة لا تستوفي المعايير المشددة لفروع البنوك الرسمية.
لكن الدكتور لوجن رادكليف أستاذ التنمية المالية في جامعة ليدز، من جانبه يشير إلى أن الفترة الأخيرة مليئة بقصص نجاح لشركات الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول في إفريقيا، وبدأت فوائدها تحظى بالتقدير على نطاق واسع، وخفضت الجهات التنظيمية في القارة من طبيعة القيود التي تفرضها على عمل تلك الشركات.
وأضاف أن “بعض البنوك خاصة الكبيرة بدأت تنظر إلى تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول باعتباره فرصة مالية لها وليس تهديدا لمصالحها وأرباحها، وهي تتعاون مع تلك الشركات لتحقيق الاستفادة من شبكات التجزئة الواسعة التابعة لها وللوصول إلى عملاء جدد، ومن ثم فإن هذا الترابط بين البنوك وتلك الشركات يوجد حالة من الطمأنينة للجهات التنظيمية ويجعلها أكثر مرونة في رؤيتها، لما تتضمنه شركات التحويل المالي عبر الهاتف المحمول من فرص اقتصادية وتنموية واعدة للبلدان الإفريقية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى