
اضطراب القطاع المصرفي يهز مجتمع المستشارين الرصين
تجري حاليا جولة محمومة من التنقل بين الوظائف في مجال مستشاري الاستثمار الأمريكيين، يبدل خلالها المستشارون الشركات أو يتحولون إلى العمل لحسابهم الخاص، استجابة لعمليات اندماج واضطرابات يشهدها القطاع المصرفي.
وفقا لشركة سيرولي أسوشيتس، أكثر من 26 ألف مستشار، يشكلون 9.2 في المائة من إجمالي العاملين في الولايات المتحدة، غيروا شركاتهم في عام 2022. ويتوقع مسؤولون تنفيذيون في الصناعة أن يرتفع الرقم هذا العام.
يترك كثيرون مجموعات استشارية مملوكة للبنوك لبدء أعمال صغيرة أو تأسيس شركاتهم الخاصة، مع أخذ قاعدة عملائهم معهم. من بين أولئك الذين تركوا عملهم هذا العام فرق من بنك سيليكون فالي وبنك فيرست ريبابليك، اللذين خدما العملاء الأثرياء قبل أن تضطرهما عمليات تدافع كبرى لسحب الودائع إلى استيلاء جهات أخرى عليهما.
بحسب تري بريسكوت، رئيس تطوير الأعمال لشبكة الخدمات الاستشارية، وهي منصة لمستشاري الاستثمار المسجلين، “كان هناك سيل من المديرين الذين غادروا البنوك”، مضيفا أن “هذا يحدث منذ أعوام، إلا أنه بدأ يكتسب زخما الآن”.
هذه التحركات تهز العالم الرصين لمستشاري الاستثمار المرخص لهم بتقديم المشورة، وفي بعض الأحيان إدارة الأموال بشكل مباشر. وفقا لشركة سيرولي، عدد الشركات أكثر من 16 ألف شركة تدير 31 تريليون دولار من إجمالي أصول التجزئة، وتوظف نحو 300 ألف مستشار فردي.
يساعد بريسكوت المستشارين في الشركات الكبرى على إطلاق أعمال مستقلة. أوضح أنه عقد في العام الماضي 185 اجتماعا لهذا الغرض، مضيفا أن “ثلثي هذا العدد من الاجتماعات تما أيضا في الربع الأول من عام 2023″، وقال “لن أفاجأ إذا كان واحد من بين كل أربعة مستشارين مصرفيين يفكر في المغادرة إلى مجال الأعمال المستقلة”.
عادة ما تتمتع فرق المستشارين الماليين داخل البنوك الكبرى ببعض الاستقلالية، وبإمكانية الوصول إلى قدرات وإمكانات البنك الخاصة بالإقراض والأبحاث.
لكنهم يقولون “إن البيروقراطية التي ينطوي عليها الارتباط ببنك منظم بشدة يمكن أن تكون في بعض الأحيان طاغية”. ويعبر مستشارون ماليون في مجالسهم الخاصة عن الاستياء من الإشراف الزائد من جانب فرق الامتثال عندما يتم الإبلاغ عن كلمات معينة في رسائل البريد الإلكتروني المرسلة للعملاء، وكذلك المبادرات وهياكل الأجور التي تشجع الموظفين على إحالة الأعمال إلى أقسام أخرى من البنك.
وفقا لتقرير كيرولي، كان واحد من كل أربعة مديرين يعملون في هذه البنوك الكبيرة في وول ستريت، غير راض عن الطريقة التي تمت بها هيكلة راتبه، مقارنة بـ5 في المائة فقط في الشركات المستقلة. وذكر نحو نصف المستشارين الذين غادروا أن الراتب كان سببا رئيسا لمغادرتهم.
قال أحد المستشارين الذي يعمل في بنك كبير “إنهم يتتبعون عدد الإحالات التي تقوم بها (إلى البنك الاستثماري). وتتلقى بريدا إلكترونيا كل أسبوع بعدد الإحالات التي قمت بها. وعندما يجب اتخاذ قرار تحت الضغط، إذا كان لديهم تذاكر إضافية لجناح يانكي، فسيعطونها الشخص الذي يقوم بإحالات أكثر”.
يقول المستشارون أيضا “إن حركة الانتقال ترجع إلى الوتيرة المحمومة لعمليات الاندماج والاستحواذ بين الشركات الاستشارية الأصغر، التي حولت عديدا من الشركات إلى عمليات مؤسسية أكبر وأكثر اتساعا”. وكان مالكو الشركات المستقلة الصغيرة -ومعظمهم من جيل طفرة المواليد- يبيعون شركاتهم عند وصولهم إلى سن التقاعد. كما جعلت أسعار الفائدة المنخفضة عمليات الاستحواذ أكثر جاذبية، الأمر الذي أدى إلى دمج الشركات الصغيرة في الشركات الأكبر.
قال ستيف ليفيت، مؤسس بارك ساتون أدفايزرز، وهو بنك استثماري متخصص في الخدمات المالية “كانت هناك فترة لم تكن ترى فيها حتى 50 عملية اندماج في إدارة الثروات سنويا. في العام الماضي رأينا 250 عملية اندماج، وهذا العام نحن في طريقنا إلى شيء مشابه (…) التقييمات لم تنخفض”.
كانت عمليات الاندماج والاستحواذ سريعة في زيادة حجم الشركات. نمت أصول الشركات التي تدير أكثر من خمسة مليارات دولار بمعدل 30 في المائة سنويا على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، وكان نصف هذا النمو ناتجا عن عمليات الاندماج والاستحواذ، وفقا لدراسة أجرتها شركة فيديليتي عام 2022.
قال لورنزو إسبارزا، الرئيس التنفيذي لشركة مانهاتن ويست لإدارة الأصول “قبل خمسة أعوام لم يكن هناك 15 مليار دولار من الأصول الخاضعة للإدارة لدى مستشاري الاستثمار المسجلين”. وأضاف أن “عمليات الدمج جعلت عديدا من المستشارين الذين يعملون لدى شركات كبيرة، أو بنوك ذات ثقافات لم يتفقوا معها، يبحثون عن شركة جديدة أو يؤسسون شركاتهم الخاصة”.
التكنولوجيا التي يمكن أن توفر “مكتبا خلفيا” خارجيا للمستشارين الماليين الساعين إلى الاستقلال، عملت على التعجيل بوتيرة التغيير. في الماضي كانت أكبر فرق مستشاري الاستثمار المسجلين، التي تدير مليارات الدولارات، تجد صعوبة في ترك شركاتها، الآن انعكس المد وأصبح الاستقلال أمرا جذابا كلما ازداد حجم الفرق.
قال ليو كيلي، الرئيس التنفيذي لشركة فيردينس الاستشارية للاستثمار، قبل عشرة أعوام “كان الاستقلال تقريبا مثل هذا المعتقد الغريب للممارسين الصغار. أما اليوم، فقد أصبحت المساحة المستقلة أكثر تعقيدا”.